احكام الاصلاح والتفريق بين الزوجين ( الجزء الثاني ) التفريق بين الزوجين

احكام الاصلاح والتفريق بين الزوجين ( الجزء الثاني ) التفريق بين الزوجين
احكام الاصلاح والتفريق بين الزوجين | الجزء الثاني | التفريق بين الزوجين

مفهوم التفريق القضائي لغة وإصطلاحاً

في التعريف اللغوي لمفهوم التفريق القضائي، فنجد المصطلح مركبا من كلمتين، الأولى التفريق حيث تعرف على انها مشتقه من المصدر فرّق، حيث ان التفريق بمعنى مضاد للجمع او التجميع، حيث تأتي في التفرق والفرقة والافتراق، وكل ما سبق سواء في المعنى اللغوي، حيث نجد في معنى تفرق الطلبة، أي بمعنى كل واحد ذهب في اتجاه مخالف للآخر، ويأتي التفريق في عدة معاني، إما في التقسيم، او التمييز، او التشتيت والتبديد، او في الفصل بين شيئين متشابهين إلى حداً ما.[1]

وقد ذكرت التفريق في القرآن الكريم في العديد من المعاني السابقة، فنجد التفريق بمعنى الفصل في قوله تعالى ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[2]

وفي التقسيم ما جاء في قوله تعالى﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾[3]، وفي التمييز نجد ذلك في قوله تعالى ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾[4].

وكذلك جاء التفريق بمعنى التشتت والتبدد في قوله عز وجل ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانً﴾[5].

اما في التعريف الاصطلاحي لمفهوم التفريق القضائي فيقصد به، انهاء العلاقة بين الزوجين بحكم قضائي مبني على طلب مقدم من الزوجة[6]، او ان يعرف على انه حل العلاقة الزوجية وعقد النكاح القائم بينهما بأمر قضائي مبني على طلب من أحد الطرفين او كلاهما لما يتوافق مع الشروط العامة للتفريق القضائي واحكامه[7].

وبالرغم من تعدد التعريفات حول التفريق القضائي، إلا ان هنالك تعريف اصطلاحي يعد الأكثر دقة من بينها وهو، إنهاء العلاقة بين الزوجين من خلال حكم قضائي مبني على طلب مقدم من أحد الزوجين قائم على أسباب معينة، تتوافق مع الشروط العامة للحكم بالتفريق، كـ الشقاق بين الزوجين، او وجود ضرر في استمرار العلاقة بينهما، او في ثبوت عدم الإنفاق وغيرها من الأسباب الجائزة للتفريق القضائي، وكذلك قد يكون من دون أي طلب مقدم حفاظاً على الحق الشرعي للعلاقة الزوجية في الإسلام والقانون[8].

مشروعية التفريق القضائي

في هذا الباب يناقش مشروعية التفريق القضائي بين الزوجين، من خلال النظر في مختلف المصادر الشرعية سواء في الكتاب والسنة وفي قول ما اجمع عليه أئمة المسلمين حول هذه المسائلة، حيث يظهر اجماع كبير على مشروعية التفريق القضائي في حال استوفى شروطه الرئيسية وثبت السبب لإقرار التفريق بين الزوجين، وهنالك من يرى دون ذلك حول مشروعية التفريق، وسوف يتناول هذا الباب كل ذلك.

 في البداية عند الاستدلال بمشروعية التفريق القضائي بين الزوجين فيعود رأي أئمة المسلمين إلى ما رأوه في مقاصد الشرع من خلال النظر في الدلائل الشرعية في الكتاب والسنة وكذلك لما تقتضيه المصلحة في الحكم.

مشروعية التفريق القضائي في القرآن الكريم

وقد جاء في قوله تعالى ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[9]، وفي هذه الآية النقاش حول موضوع العلاقة الزوجية وتقييمها، بحيث تثبت في الاستقرار القائم على التكافؤ بين طرفي العلاقة من حيث الحقوق والواجبات التي أقرتها الشريعة الإسلامية، والعادات والأعراف والقوانين المحلية التي لا تتنافى مع مقتضيات الشرع، ولذلك فإن أي انحراف عن المسار المرسوم في هذه المسألة فإن التفريق القضائي جائز درءا للضرر.

وفي قوله عز وجل ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾[10].

وفي هذه الآية نجد الشاهد على ان الإمساك بمعروف من خلال قيام الزوج بما يتعين عليه أمام الزوجة من حقوق، فإن انقضى ذلك فيجب الانتقال إلى المرحلة الأخرى في التسريح بالمعروف، حيث ويقع النهي في الإمساك الملحق بالضرر على الزوجة بشكل عام، فلم تتطرق الآية للتفصيل في الضرر، ولكن المغزى مما سبق في اثبات التناقض بين الإمساك بالمعروف والامساك بالإضرار، كون الاخر يمثل الانسان ظالم لنفسه في ظلمة لزوجته واعتدائه على حقوقها وعلى حكم الله في شرعه.

وفي قوله تعالى ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾[11]، بعد الترغيب في الصلح بعدة آيات والحض على الإصلاح بين الزوجين، وكذلك حث الزوج على احقاق العدل بين زوجاته إن تعددن، بعدها بين المولى عز وجل على جواز الفرقة بين الزوجين في حال انعدمت الحلول، كون الفرقة في هذا الحال تمثل خيراً لما فيه من ضرر في استمرار العلاقة بين الزوجين.

فإن تعسر الإصلاح بين الزوجين وقرر كل منهما الفراق خوفاً من التعدي على حقوق الله الموجبة لكل منهما على الآخر، فإن الله يغن كل واحد عن الآخر بحكمته سبحانه وتعالى.

وفي هذه الآية توضيح للأحكام الأساسية في الحياة الزوجية الصحيحة والسليمة، حيث امر المولى عز وجل الرجل بأن يؤدي ما عليه تجاه المرأة من حقوق لهن، ومعاشرتهن بالمعروف والسعي بالتصالح والتسامح بين الزوجين، وفي حال صعب الحال وتعسر الصلح، فإن الفرقة هي الحل في ذلك، ويشترط فيها الاحسان للآخر كونه خير من المعاشرة الغير سوية والتي صعب فيها الوفاق بين الطرفين.

مشروعية التفريق القضائي في السنة النبوية

وردت العديد من الأدلة من السنة النبوية حول مشروعية التفريق القضائي بين الزوجين، ومنها ما جاء في حديث ابن عباس عن النبي ﷺ انه قال (لا ضَررَ ولا ضِرارَ)[12].

وفي معنى الحديث للدلالة على النهي عن الضرر في صيغة اخبار بالشيء على وجه العموم لا التخصيص، حيث يقصد به ان لا يضر أحد منكم الاخر، كون الضرر الواقع بين الزوجين يتمثل من جملة الضرر الذي أشار اليه الحديث الشريف، والذي نهى عنه رسول الله ولذلك فيجب إزالة ذلك الضرر.

فمن غير المعقول ان تستمر العلاقة الزوجية دون تفريق في ظل وجود ضرر في استمرارها، حيث يجيز التفريق بين الزوجين في حال وجد السبب المقنع واستوفت الشروط المجيزة للتفريق وإصدار حكم قضائي به.

مشروعية التفريق القضائي بالإجماع

اما في مشروعية التفريق القضائي بحسب ما يراه الاجماع من اهل العلم وفق ما تقتضيه الحاجة وبما يتوافق مع العقل والمنطق، فإن ذلك يقتضي في ان توجد السكينة والطمأنينة في كل من الزوجين، من اجل بناء الاسرة والمجتمع المتماسك والسليم من أي خلافات داخلية تخل بأمن واستقرار المجتمع.

قال المولى عز وجل ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[13].

حيث ان الحكمة من الزواج في الآية السابقة تظهر في السكينة والطمأنينة بين الزوجين، ولكن بالرغم من ذلك فإن المشاكل والخلافات حاضرة بين الزوجين، ولذلك يبدأ الدور بالنصح والإرشاد نحو الإصلاح بينهما بالقدر المستطاع، فإن صعب ذلك وعسر الصلح بينهما، وأصبحت العلاقة بين الزوجين مليئة بالشقاق والمشاكل التي تكره العشرة بينهما، فإن التفريق بين الزوجين في هذه الحالة جائز وهو الحل في هذا الامر، بحيث تترك مجالاً لكل من طرف بالسير في طريقة والبحث عن مصلحته في الحياة بعيداً عن الاخر، قال تعالى ﴿ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾[14].

مشروعية التفريق القضائي في القانون

اهتمت التشريعات والقوانين المحلية بقضايا الاسرة كونها الأساس وركيزة المجتمع، وكذلك فقد ركز القانون الاماراتي على هذه المسائل وقام بإصدار عدد من القوانين والتشريعات التي نظمت تلك القضايا، ووضعت الحلول المناسبة فيما قد يتطلب من إجراء نتيجة الخلافات بين الزوجين، حيث مثل قانون الأحوال الشخصية الإماراتي التشريع المحلي النافذ في قراراته ومواده المنظمة للعديد من الاحكام المتعلقة بـ مسائل الاسرة، ومن بين تلك الاحكام التي اهتم بها القانون، التفريق بيم الزوجين، والتي تفسر على انها التفريق بين الزوجين لوجود علة تحيل دون استمرار العلاقة بينهما، نتيجة عدد من الأسباب.

حيث وقد اشتمل القانون الاماراتي على احكام التفريق بين الزوجين، وذلك في الباب الثالث من قانون الأحوال الشخصية (28) للعام 2005، والذي ينص على جوا فسخ الزواج وسقوطه لتوفر عدد من الأسباب، والتي تتمثل في وجود علة في أحد طرفي الزواج او في عدم أداء المهر للزوجة، او في وجود ضرر وشقاق بين الزوجين يحيل دون استمرار العلاقة بينهما، وفي حالة عدم أداء الزوج ما عليه امام زوجته من حقوق ونفقة لازمة، وفي الغيبة وغيرها من الأسباب المجيزة لإصدار الحكم القضائي بالتفريق بين الزوجين.

حكم التفريق القضائي بين الزوجين

في الحديث عن الحكم في مسألة التفريق القضائي بين الزوجين، فلم نجد ان أئمة المسلمين وفقهاء الدين الإسلامي قد تناولوا في حديثهم حول الحكم التكليفي للتفريق القضائي بين الزوجين على وجه التخصيص، ويقصد بالحكم التكليفي خطاب المولى عز وجل المتعلق بـ أفعال المكلفين من البشر في اقتضائها او التخيير فيها، وتتلخص الاحكام التكليفية في خمسة أقسام، حكم الواجب، وحكم الندب، وحكم الاباحة، وحكم المكروه، وحكم التحريم[15].

ولكن في الواقع انهم قد تناولوا الحديث حول مشروعية التفريق بين الزوجين في عدة مسائل متفرقة، ولكن من الممكن الخروج بالحكم التكليفي لمسألة التفريق بين الزوجين من خلال دراسة الحكم التكليفي في الطلاق، حيث ان الفقهاء واهل العلم متفقين على التشابه الكبير بين الطلاق والتفريق القضائي في عدة جوانب من حيث المشروعية في الحكم التكليفي ايضاً، ولذلك نجد خمسة احكام تقع في مسائلة الطلاق بين الزوجين.

وقد اجمع اهل العلم من أئمة المسلمين على مشروعية التفريق بين الزوجين إشارة إلى ذلك بالطلاق، ولكن الاختلاف كان في العودة للحكم الأصلي له، ولذلك نجد ان البعض يرى في الحكم التكليفي لهذه المسألة في الاباحة بشكل عام، يخرج منها بعض الحالات التي تقر بحكم اخر غير ذلك، واخرون يرون فيه حكم المكروه عموماً إلا في حالات أخرى، وآخرون يرون فيه الوجوب او المندوب وغيرها من الاحكام التكليفية، وكل فئة لها حجتها ورؤيتها في هذا الامر.

ولذلك نجد بشكل عام ان التفريق بين الزوجين ليس مرتبط بحكم تكليفي واحد، بل ان له الخمسة الاحكام من الوجوب إلى التحريم، وذلك حسب الحالة والسبب في وقوعه.

أسباب التفريق القضائي بين الزوجين

يعتمد إقرار عقد التفريق القضائي بين الزوجين، على وجود طلب من أحد طرفي الزواج، مع الاخذ بأن الطلب المقدم يستند إلى أسباب رئيسة موجبة لقبول الطلب والاقرار بالتفريق القضائي بين الزوجين، ومن تلك الأسباب الموجبة لطلب التدخل القضائي للتفريق بين الزوجين، يمكن تصنيفها كالتالي:

الأسباب العائدة إلى الزوج لطلب التفريق القضائي

بالرغم من امتلاك الزوج الإرادة الكاملة في فسخ عقد الزواج من خلال الطلاق، دون العودة إلى أي جهة للإقرار بالقبول او الرفض كما أتاح له الشرع ذلك كونه صاحب القرار في الأول والأخر، إلا ان في بعض الأحيان قد يضطر الرجل إلى اللجوء إلى الجهة القضائية دون القيام بذلك بمفردة وتطليق الزوجة بشكل مباشر، وذلك ما يثير التساؤل حول الأسباب المؤدية إلى ذلك، ولكن يعود ذلك الخيار إلى عدد من الأسباب وهي كالتالي:

  • كون الطلاق مباشرة قد يترتب عليه عدة التزامات مالية تجاه الزوجة، حيث ان الزوج في حال قام بتطليق زوجته بشكل مباشر، فإن ذلك يلزم عليه عدة التزامات تجاه زوجته، اما في أداء ما عليه تجاه زوجته من واجبات تترتب على الطلاق المباشر لها، من مهر ونفقه، وكذلك ما يحدده القانون من التزامات أخرى وتعويضات ماليه تجاه الزوجة، ولذلك فإن اللجوء إلى القضاء في التفريق دون الطلاق مباشرة، يمثل وسيلة للتخفيف من الالتزامات الكثيرة عليه، وتحمل الزوجة جزء منها في حال اقر القضاء بذلك كون الزوجة مشاركة في التسبب في الفرقة، ومن الممكن ان تتحمل الجزء الأكبر هي إن ثبت انها المتسببة بالضرر نحو الزوج، ولذلك فإن التفريق بين الزوجين يتم بواسطة حكمين يدرسان الوضع القائم بين الزوجين، وبعد المحاولة في الصلح وحل النزاع القائم، فإن عسر ذلك فإن الفرقة هي الحل بحكم منهما.
  • ما قد يترتب عليه الطلاق من اثار نفسية، والتردد في قرارته عن اتخاذ هذا القرار المصيري، إما خوفاً من تأنيب الضمير او من كلام الناس والمجتمع المحيط واتهامه بالظلم للزوجة دون دراية كافية بالأسباب المؤدية للطلاق، ولذلك قد يضطر الزوج للجوء إلى التفريق القضائي للتأكيد على قرار الانفصال دون أي أثر معنوي قد يتسبب به هذا القرار، كون الزوج حصل على تأييد قضائي لقراره، والأسباب المؤدية إليه.
  • وفي حالة الاشتباه بالحل، وفي هذا الجانب يشترك الزوج مع زوجته في السعي للانفصال والفرقة، دون الوصول إلى حل في استمرار العلاقة، لذلك فقد يلجأن إلى القضاء للتأكيد على انعدام وجود الحل في الإشكالية القائمة بينهما، ومن اجل تفهم الموقف في الانفصال من كلى الطرفين، فإن اللجوء إلى التفريق القضائي هو الحل الأمثل للوضع الحالي بينهما.
  • وأخيرا، قد يلجأ الزوج إلى التفريق القضائي، للتأكيد على فسخ العقد القائم بينهما والإقرار بالفرقة بشكل شرعي وقانوني، ومن اجل تفهم كلى الطرفين بمجريات ما يحدث والاقرار به لأي أسباب أخرى يترتب عليها وجود اثبات لواقعة الانفصال.

الأسباب العائدة إلى الزوجة لطلب التفريق القضائي

من المنطقي ان تلجأ الزوجة إلى القضاء لطلب التفريق بين الزوجين، كونها لا تملك القرار للانفصال بشكل مباشر من زوجها، وأيضا توجد عدة أسباب مؤدية إلى طلب التفريق القضائي، ومن تلك الأسباب ما يلي:

  • كون المرأة لا تملك القرار في فسخ عقد الزواج من خلال الطلاق، كونها لا تملك العصمة والحق في ذلك، بعكس الزوج الذي بيده القرار الكامل.
  • في حال لم يمنحها الزوج التفويض القانوني والشرعي في فسخ عقد الزواج القائم بينهما.
  • كذلك في حال عدم الاستجابة لمطالبتها في الطلاق من الزوج، حتى وإن لم يكن مجبر على الإجابة شرعاً، ففي هذه الحالة قد تلجأ الزوجة الى القضاء لطلب إلزام الزوج بالطلاق لوجود السبب في ذلك.
  • في حال التحايل من قبل الزوج على زوجته، وانكار وجود الفرقة بين الزوجين رغم وجودها واجبار الزوجة على الاستمرار منتهكاً لحقوقها المشروعة واذلالها، ففي هذه الحالة، يحق للزوجة اللجوء إلى القضاء لطلب التفريق القضائي بين الزوجين.
  • كذلك في حالة اشتباه الزوجة من العلاقة الزوجية القائمة في كونها مشروعة ام لا، ففي هذه الحالة يمكنها اللجوء إلى القضاء وتقديم الدلائل المثبتة لادعائها في بطلان عقد النكاح القائم، وطلب التفريق القضائي.
  • اللجوء للقضاء من اجل الحصول على المستحقات المالية المفروض على الزوج تجاه زوجته، في حال رفض الزوج من أداء ما عليه من واجبات والتحايل على زوجته بأي وسيلة غير مشروعة في الامتناع عن أداء ما عليه تجاهها.

الأسباب العائدة إلى الولي في إقرار التفريق القضائي

بالرغم من كون الولي لا يمثل أي من طرفي العقد، إلا ان له الحق المشروع في إقرار عقد الزواج في صحته او عدم ذلك، ويعود ذلك الخيار إلى عدة أسباب يراها الولي في الوضع القائم امامه، ولا يعني بذلك ان الحق الممنوح له في امضاء عقد الزواج يسمح له بإلغائه بشكل مباشر دون العودة إلى الأسباب الموجبة بذلك، ومن تلمك الأسباب المشروعة ما يلي:

  • في حال كان الزوج غير كفء لزوجته وهذا متفق عليه في كافة المذاهب، كون من حق الولي طلب التفريق القضائي بناء على اثباته عدم كفاءة الزوج، كون الكفاءة شرط أساسي في الزواج ومن حق الولي طلب الفرقة في حال ثبت غير ذلك، وقد روي عن امير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – انه قال " لأَمنعَنَّ تزوُّجَ ذواتِ الأحسابِ إلا من الأكفاءِ"[16]، حيث تمثل الكفاءة في عدة اشكال إما ماليه او حسب الأصل وغيرها.
  • في حال رفض الزوج إتمام ما عليه من مهر تجاه زوجته، ففي هذه الحالة يحق للولي التدخل بإذن من الزوجة في طلب التفريق القضائي بشكل مشروع.
  • التحايل مما تم الاتفاق عليه في عقد الزواج بحضور الولي، وتهرب الزوج من الالتزامات القائمة عليه في العقد، ففي هذه الحالة يحق للولي طلب التفريق القضائي وإلزام الزوج بأداء ما عليه تجاه زوجته، بموافقه منها على ذلك.
  • وفي المذاهب المالكية والشافعية والحنبلية، فيشترط موافقه الولي في إقرار عقد الزواج او فسخه بأمر التفريق القضائي[17].

المقال التالي : احكام الاصلاح والتفريق بين الزوجين | الجزء الثالث | التحكيم بين الزوجين

المصادر

[1] مقاييس اللغة 4/493، المحكم والمحيط الأعظم 6/394، مختار الصحاح صفحة 238

[2] سورة المائدة، الآية 25

[3] سورة البقرة، الآية 50

[4] سورة البقرة، الآية 285

[5] سورة آل عمران، الآية 103

[6] جمال الدين الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 3/2، وشرح فتح القدير 4/2 لابن الهمام

[7] محمد بن عبد الباقي الزرقاني، شرح الزرقاني على موطئ الإمام مالك 3/277،

[8] محمد كمال الدين إمام، الـزواج والطـلاق فـي الفقـه الإسلامي، صـ197

[9] سورة البقرة، الآية 229

[10] سورة البقرة، الآية 231

[11] سورة النساء، الآية 130

[12] رواه أبو سعيد الخدري، المحدث النووي، المصدر الأربعون النووية ص32، خلاصة حكم المحدث حسن، وله طرق يقوي بعضها بعضا

[13] سورة الروم، الآية 21

[14] سورة النساء، الآية 130

[15] سيف الدين الآمدي، الإحكام في أصـول الأحكـام 1/84

[16] الراوي : إبراهيم بن محمد بن طلحة، المحدث : الألباني، المصدر : إرواء الغليل

[17] العدوي، حاشية العدوي الجزء الثاني ص 49، البهوتي، كشاف القناع الجزء الخامس ص 48