الصلح و نماذج من تطبيقات الصلح في الشريعة الاسلامية

الصلح و نماذج من تطبيقات الصلح في الشريعة الاسلامية
الصلح و نماذج من تطبيقات الصلح في الشريعة الاسلامية

مقدمة

إن للشريعة الإسلامية أساليبها في الحفاظ على نقاء المجتمع الإسلامي وتطهيره من الرذيلة والانحراف والجريمة، وان معظم هذه الأساليب مما يتعلق بتهذيب النفوس وتربية الضمير، ومع هذا فإن الإسلام بواقعتيه لا يفترض في الناس المؤمن والكافر، والملتزم والمتمرد، والمجرم التائب والمجرم المصر على إجرامه، ومن الناس من يرتكب الخطأ عن جهل غير مقترن بالتحدي، وروح الإجرام، وما يلبث أن يثوب إلى رشده ويقلع عن فعلته.

الصلح في دعوى النكاح.

ذكر الفقهاء أنه يجوز الصلح عن دعوى النكاح إذا كان الرجل مدعياً والمرأة تنكر ذلك فصالحته على مال حتى يترك الدعوى جاز، باعتبار حمل الصلح إلى أقرب العقود شبهاً إليه، ويمكن أن يحمل هنا على معنى الخلع، لأن أخذ المال مقابل الطلاق خلع، والصلح يجب حمله إلى أقرب العقود إليه، وفي حقها لافتداء اليمين وقطع الخصومة فكان صحيحاً، وكذلك إذا كانت المرأة هي المدعية والزوج ينكر ذلك، فمن أقوالهم على سبيل المثال ما جاء في العناية على الهداية: (وان ادعى رجل على امرأة نكاحاً وهي تجحد، فصالحته على مال بذلته حتى يترك الدعوى، جاز هذا بناء على أن الصلح يجب اعتباره بأقرب إليه شبهاً، وأمكن تصحيحه خلعاً في زعمه، وبذلاً للمال لدفع الخصومة، وقطع الشغب والوطء الحرام في جانبها، فإن أقام على التزويج بينة بعد الصلح لم تقبل، لأن ما جرى كان خلعا في زعمه، ولا فائدة في إقامتها بعده، وإن كان مبطلاً في دعواه لم يحل له ما أخذ بينه وبين الله تعالى، وهذا عام في جميع أنواع الصلح، إلا أن يسلمه له بطيبة نفس، فيكون تمليكاً بطريق الهبة).[1]

يتضح من النص المتقدم أنه إذا حصلت دعوى الزوجية وجحدت من أحد طرفي العقد ثم تم الصلح على مبلغ من المال صح ذلك الصلح وكانت من لدن الزوج خلعاً، فالزوج أخذ العوض باعتقاده صحة الزوجية والمرأة تدفعه فداء لليمين وقطعاً للخصومة، أما إذا كانت المرأة تدفعه فداء لليمين وقطعاً للخصومة، أما إذا كانت المرأة هي المدعية والرجل يجحد، جاز ذلك بتقديرنا باعتبار أنه بإعطائه بدل الصلح كأنه حدد مهرها ثم طلقها عليه.

الصلح في الشقاق بين الزوجين.

قد ينخرط عقد المحبة بين الزوجين ويدب الخلاف وتكثر المشاكل فلابد لعقلاء القوم من الطرفين أعني أهل الزوج والزوجة لرأب الصدع وإعادة الحياة الزوجية إلى مسارها الصحيح قدر المستطاع، وقد رسم لنا القرآن الكريم الحل حينما يحصل مثل هذا الشقاق قال تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)[2] قال ابن جبير والضحاك وغيرهما للقضاة، وقيل للزوجين أنفسهما أو لأهلهما، (شقاق بينهما) أي الزوجين، والشقاق هو الخلاف والعداوة، (فابعثوا) أي وجهوا وأرسلوا إلى الزوجين لإصلاح ذات البين (حكماً) أي رجلاً عدلاً عارفاً حسن السياسة والنظر في حصول المصلحة (من أهله) أي الزوج (وحكماً) آخر على صفة الأول (من أهلها) أي الزوجة، وخص الأهل، لأنهم أطلب للإصلاح وأعرف بباطن الحال وتسكن إليهم النفوس فيطلعون على ما في ضمير كل من حب وبغض، وأراد صحبة أو فرق، (إن يريدا) أي الحكمان (إصلاحاً) أي بين الزوجين وتأليفاً (يوفق الله بينهما) فتتفق كلمتها ويحصل مقصدها، فالضمير أيضاً للحكمين، وجوز أن يكون الضمير للزوجين أي إن أرادوا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله تعالى الألفة بينهما والوفاق، وأن يكون الأول للحكمين، والثاني للزوجين أي قصدوا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقولهما ناصحة لوجه الله تعالى أوقع الله سبحانه بين الزوجين الألفة والمحبة في نفوسهما الموافقة والصحبة.

الصلح في الدين

إذا ادعى شخص على آخر بألف درهم حالة في ذمته، وصادق المدعي عليه على الدعوى فصالحه المدعي على خمسمائة حالة، فيعد صلحاً صحيحاً عند جمهور الفقهاء، باعتبار أن المدعي استوفى بعض حقه وأبرأ المدين من الباقي، وخالف الحنابلة فقالوا: إذا كان بلفظ الصلح أو الإبراء أو الهبة المعلقين على شرط لا يجوز هذا الصلح معللين ذلك بأن هذا هضم للحق، فإذا انتفى الشرط (الفاسد) صح الصلح عندهم وفاقاً للجمهور.[3]

ادعى مدع على آخر بمائة غرام ذهب حالة فأقر أو أنكر وصالحه على مائة وعشرين غراماً مؤجلة، يعد هذا الصلح غير صحيح على رأي جميع الفقهاء وذلك للزيادة والتأخير، لأن الذهب من الأموال الربوية، ويعد هذا الصلح صورة من صور التحايل على أحكام الشريعة، وقد أجمع الفقهاء على عدم جواز التفاضل والنسيئة فيها، وفي كل صنف من الأصناف الربوية لحديث عبادة بن الصامت قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عيناً بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى). فهذا الحديث نص في منع التفاضل في الصنف الواحد من هذه الأصناف.

المصادر

[1] د. عبد الرحمن الموسى، أحكام الصلح في الفقه الإسلامي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2001

[2] سورة النساء: الآية 35

[3] محمود محجوب عبد النور، الصلح وأثره في إنهاء الخصومة في الفقه الإسلامي، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1999