القانون التجاري : المفهوم و النشأة و مصادر القانون التجاري

القانون التجاري : المفهوم و النشأة و مصادر القانون التجاري
القانون التجاري : المفهوم و النشأة و مصادر القانون التجاري

المقدمة

يعد الحديث حول مفهوم التجارة من الناحية القانونية ودارسة القوانين المتعلقة بهذا المفهوم يحمل بعض الصعوبة والتعقيد نظراً لإتساع دائرة البحث فيه وتشعبه بشكل كبير، وهذا لأن التجارة تمثل احدى اهم القطاعات الداعمة للإقتصاد، وللأهمية التي يمثلها القطاع التجاري فقد تم تشكيل قانون خاص به يشمل جميع القوانين التي تنظم التعاملات التجارية.

وقد نشأ القانون التجاري وتطور بالشكل الذي يلبي كافة المتطلبات الاقتصادية والظرورية لإدارة العملية الإقتصادية، وبالرغم من ذلك لايمكن القول بان القوانين الحالية المتضمنه في القانون التجاري قد وجدت بعد ظهور هذا المفهوم، ولكن يجدر الإشارة إلى انها قوانين اوجدتها الحاجة الإقتصادية في العصور القديمة والتي استمرت بالتطور والرقي لتلبي الاحتياجات المتجدده في هذا المجال، وهنا يمكن القول ان العادات والتعاملات التجارية هي اساس القانون التجاري، حيث ان مفهوم القانون التجاري ظهر لينظم هذه العملية وفق قواعد وتشريعات قانونية.

عند الحديث حول نشأة القانون التجاري، نجد انه كان يتمثل بشكل دولي، حيث كان يعد هذا القانون متضمن كجزء من القانون المدني لفترة طويلة، ولكن عند اتساع دائرة المتطلبات التجارية والقوانين المنظمة لها فقد اضطر البحاثين في هذا المجال إلى فصل القانون التجاري وإعتباره قانون مستقل ينظم احكام التعاملات التجارية وفق عاملين وهما السرعة والإئتمان.

ومازالت الجهود مستمرة في تطوير هذا القانون بما يلبي المتطلبات المستجدة في العملية التجارية، بل ان بعض الباحثين في هذا المجال اقترحو في تغيير مفهوم القانون التجاري إلى القانون الإقتصادي كونه يمثل مفهوم اكثر شمولية وإتساع ولأن التجارة تعد اساس الاقتصاد.

مفهوم القانون التجاري

يعد القانون التجاري من القوانين القديمة التي ظهرت احكامه منذ زمن قديم لتلبي الإحتياجات التجارية في تلك الحقبة وقد تطورت تلك الأحكام بإستمرار لتظهر في شكل قانون موحد ينظم العمليات التجارية وفق عدد من القوانين والتشريعات التي تدير تلك العمليات، وتساهم في توفير الحلول الصحيحة للحد من الصراعات بين اطراف العملية التجارية للسعي إلى خلق بيئة عادلة لتلك التعاملات والوصول إلى النمو التجاري المطلوب.

التعريف بالقانون التجاري

يمكن التعريف بالقانون التجاري على انه يتمثل في القواعد والتشريعات القانونية والاسس المنظمة لكافة انشطة العمليات التجارية والمساهمة في تحديد طبيعة العلاقات الناتجة من بعض العمليات التجارية.

وبالنسبة لهذا المفهوم من الجانب القانوني فإنه يختلف تماما عن معناه في الجانب الإقتصادي، حيث يمثل المعنى له في الاخر على انه يختص بالأحكام والتشريعات ذات العلاقة بمسألة تداول الثروات وطريقة توزيعها.

اما في الجانب القانوني، فإن مفهوم القانون التجاري يأتي بالمعنى المتضمن بكافة العمليات المستنده وكذلك العمليات الإنتاجية التي تتم في مرحلة التصنيع، والممتد إلى المراحل الاخرى في توزيعها وتدوالها، وكل ما يتمثل في التعاملات التجارية.

خصائص القانون التجاري

  • السرعة
    تمثل السرعة اول واهم الخصائص التي تميز بها القانون التجاري، حيث ان السرعة تمثل اهم عامل في الأنشطة التجارية، ولذلك فقد جاء القانون التجاري لتحقيق اعلى مقاييس هذا العامل المهم، كون اغلب المنتجات والخدمات التجاريه تعتمد على عامل السرعة بشكل اساسي فيمكن ان يؤثر على جودتها وتوفرها، ولذلك فإن القانون التجاري يركز في مدى الاستجابة لقواعد السرعة في مختلف نشاطاته ومعاملاته.
    ويمكن الإشارة إلى مبدأ حرية الإثبات عند الاخذ بمختلف المسائل في المجال التجاري كونه احد اهم التطبيقات لعامل السرعة في القانون التجاري، حيث تتميز كافة المسائل والعمليات التجارية بالحرية التامة في الاثبات العام، على العكس تماما في العديد من المسائل المدنية وغيرها، والتي يتم فيها تقييد حرية الاثبات بشكل تام.
  • الإئتمان
    يمثل الإئتمان العامل الثاني في القانون التجاري، والذي يعنى به الثقة اللازمة في المعاملات التجارية تجاه التجار، حيث يمكن للتاجر الحصول على المنتجات على ان يتم الدفع بصورة آجلة، ولذلك فإن من المصلحة للتجار الإيفاء بكافة الإلتزامات والديون في الموعد المحدد للسداد من اجل ترسيخ الثقة والحفاظ على سمعتهم في القطاع التجاري.
    ويمثل الإئتمان ركن اساسي للتعاملات التجارية، ولذلك وجب الحفاظ عليه بشكل يحفظ للتعاملات التجارية سمعتها في هذا المجال، ولذلك فإن اي تفريط في اداء الإلتزامات المفروضه على التاجر قد يؤثر في مختلف انشطتهم وقد يتسبب في تأخير السداد لهم ايضا، ولأهمية هذا الامر فقد وضع القانون التجاري بعض الأحكام الهامه في حماية الإئتمان، كما يلي :
    • التضامن المفروض في المسائل التجارية، على العكس من المسائل المدنية
    • قواعد الإفلاس عند إمتناع التاجر عن اداء إلتزاماته المالية.

نشأة وتطور القانون التجاري

عند البحث في تاريخ نشأة القانون التجاري، نجد ان الأحكام والتشريعات المنظمة لسير العمليات والأنشطة التجارية وجدت منذ زمن بعيد قبل ظهور القانون التجاري بمفهومه العام، ويشار إلى اعتماد التشريعات والأحكام المنظمة للعملية التجارية ظهرت منذ عهد المصريين القدماء وشعوب منطقة البحر المتوسط، وكذلك ماعرف ببلاد مابين النهرين، فقد إعتمدوا بشكل عام على مبادئ التعامل والمقايضه والقروض آنذاك، وذلك ما استوجب عليهم العمل على وضع اتفاقيات وصكوك تضمن سير تلك العمليات بشكل صحيح وآمن.

وعند البحث في هذا الجانب سنجد ان القانون التجاري تطور على ثلاثة عصور، وهي :

  • المرحلة الأولى : العصور القديمة
    وفي هذه المرحلة نجد نشأة القانون التجاري على هيئة احكام وتشريعات تنظم العمل التجاري في تلك الحقبة، وتلبي متطلبات التعاملات التجارية المختلفه كـ القروض، والتبادل التجاري، والرهون، والعقود التجارية، .. وغيرها. ذلك ما استلزم في وضع عدة قوانين منظمة لتلك الأنشطة والتعاملات التجارية للحفاظ على الحقوق واستمرارية العمل التجاري بصورة آمنة.
  • المرحلة الثانية : العصور الوسطى
    وعند الحديث عن تلك الفترة، نجد المسلمين في صدارة المشهد، حيث عمل العديد من الباحثين المسلمين على وضع عدد من القوانين التجارية التي تتوافق مع المتطلبات في تلك المرحلة والتي نظمت سير العمليات التجارية المختلفه بشكل صحيح.
    كذلك كان للقوانين السائدة من حقبة الإمبراطورية الرومانية، دور كبير في نشأة القانون التجاري، حيث وقد عملت العديد من الدول على تطوير تلك القواعد والتشريعات للتوافق مع المرحلة الحالية والشكل العام للمعاملات التجارية المتعارف عليها.
  • المرحلة الثالثة : العصر الحديث
    وفي هذه المرحلة ظهر المفهوم العام للقانون التجاري، حيث واستمر بالتطور منذ فترة ظهورة اعقاب الثورة الفرنسية، حيث وقد اصدر رسمياً في العام 1807م، بعدها استمر العمل على ما احتواه القانون من احكام مختلفه، وتطور القانون ليقدم نموذجاً مكتمل للتعامل التجاري، والسعي في حل النزاعات التجارية وتوفير البيئة الآمنة للنشاط التجاري.

مصادر القانون التجاري

توجد عدة مصادر يستند إليها القانون التجاري بمعناه العام، والتي من خلالها استنبط الأحكام والقواعد الخاصة به، ويمكن تصنيف هذه المصادر في صنفين وهما :

المصادر الرئيسية

وتمثل المصادر الأولى والاساسية الملهمة للقانون التجاري في احكامه وقواعده، وهي ثلاثة :

  • التشريع
    حيث يعد التشريع المصدر الاول والرئيسي في القانون التجاري في صياغة احكامه الخاصة، ويمكن تمثيله في نوعين من التشريعات، سواء المدنية او التشريع التجاري، ولذلك فإن التشريع يمثل المرجع الثاني في المسائل التي لم تتضمنها نصوص القانون التجاري.
  • العرف
    وهو المصدر الثاني الذي لعب دور كبير في نشأة وتطوير القانون التجاري، وقد اعتمد عليه في تنظيم العملية التجارية لفتره طويلة قبل ظهور القانون التجاري بمفهوم العام، ويمثل العرف بـ العادات والإجراءات المستخدمة في العديد من التعاملات التجارية بشكل متعارف عليه سابقا، لتصاغ لاحقاً في نصوص ملزمة للتعامل التجاري، ومصدر اساسي في احكام وقواعد القانون التجاري.
  • الشريعة الإسلامية
    مثلت الشريعة الاسلامية المصدر الثالث والرسمي للقانون التجاري، كونها احد المراجع الهامة في نشأة القانون التجاري عند نشأة وتطوره، حيث وقد تمثل القانون التجاري في البلاد الإسلامية على مصادر الشريعة الإسلامية المتمثله في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، في ايضاح العديد من المسائل والتوصل إلى القوانين والاحكام الخاصة بالمعاملات التجارية.

المصادر التفسيرية

ويعني بها بالمراجع التي لم تعطي قواعد قانونية صريحة في التعامل التجاري، وإنما وضعت تفسير قانوني ومنطقي للقوانين التجارية والمسائل القانونية في المجال، والتي من خلالها اعطت القانون التجاري قوة وإعتمادية في قواعدة واحكامة، ومن تلك المصادر مايلي :

  • القضاء
    ويتمثل في الأحكام والقواعد الصادره من الجهات القضائية، والقائمة على البراهين والادلة القاطعة المقدمة، والعمل وفق الظروف القانونية في التطبيق القضائي للوصول إلى التفسير القانوني في المسائل التجارية المختلفه.
  • الفقه
    ويعد الفقه مصدر اخر من المصادر التفسيرية في المسائل القانونية الخاصة بالمجال التجاري، كما تسعى الى استنباط القواعد القانونية وفقاً للظروف القانونية والأحكام الشرعية الداعمة للقوانين التجارية المختلفه، والتي اصبحت تمثل مرجع قانوني للعديد من المسائل التجارية.

الخاتمة

من خلال ماسبق، يتضح المفهوم العام للقانون التجاري والذي يمثل مجموعة من القوانين والأحكام المنظمة للتعاملات التجارية بين الأفراد، وهو من القوانين الظروريه في الحياة العامة، والتي ظهرت احكامه قديما وفق مصادر عدة في فترة لم يصدر القانون بشكل رسمي، حيث وقد دعت الضرورة لإيجاد قانون ينظم العلاقة بين العاملين في القطاع التجاري بشكل رسمي، ويمثل مرجع في حل اي نزاع قد يحدث في تلك التعاملات، حتى جاء القانون التجاري ليمثل الوثيقه المنظمة لتلك الأنشطة والتعاملات التجارية بالشكل الذي يوضح الحقوق والواجبات لكل طرف في العمليات التجارية.

المصادر

  • د مهند ضمرة، مقرر القانون التجاري م3، 1436ه، جامعة الملك سعود
  • نهى محمد، بحث عن القانون التجاري، يونيو 2020م (رابط)
  • مدونة صناع الأمل، القانون التجاري، مارس 2021م (رابط)
  • محاضرات في القانون التجاري، ماهية القانون التجاري ص1-5، مايو 2018م (رابط)