المصلحة في الشريعة الاسلامية بين الطوفي وجمهور الأصوليين

المصلحة في الشريعة الاسلامية بين الطوفي وجمهور الأصوليين
المصلحة في الشريعة الاسلامية بين الطوفي وجمهور الأصوليين

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله واصحابه اجمعين ، أما بعد:

مثلت الشريعة الإسلامية في احكامها وتشريعاتها حكمة ومصلحة عظيمة للعباد في دينهم ودنياهم ، وقد اجمع على ذلك سائر المسلمين مستلهمين ثقتهم من قوله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[1] والرحمة في تحقيق الإستقرار والنجاة في الدنيا والآخرة.

وقد مثل القرآن الكريم المصدر الشرعي الأول لأحكام الشريعة الإسلامية ، ثم جاءت السنة النبوية لتعطي تفسيراً واضحاً حول تلك الأحكام والتشريعات وتبيين مقاصدها والغاية منها ، والمصلحة العائدة منها للمسلمين ، وقد كان للباحثين والأممة المجتهدين من أهل العلم دوراً كبير في تفسير العديد من احكام الدين وبيان المصلحة منها ، ومنهم الإمام نجم الدين الطوفي أحد اعلام الأمة ومن المحققين في علم الأصول ومقاصد الشريعة الإسلامية.

وتمثل المصلحة اهمية كبرى في كونها الاساس الذي اتت من اجله كافة احكام وتشريعات الدين الإسلامي ، ولذلك فقد كان لها آثر كبير في الدراسات الأصولية في الشريعة الإسلامية ، ولتلك الأهمية كان الظرورة التحقيق والبحث العميق في هذا المفهوم حيث نجد العديد من فقهاء الأمة وعلماءها في اصول واحكام الفقه الإسلامي اعتنوا بالنظر في مفهوم المصلحة كونها اساس التشريع والغايه منه ، وفي هذا المقال سنتعرف أكثر على مفهوم المصلحة في الشريعة الإسلامية بين الإمام الطوفي وجمهور الأصوليين.

مفهوم المصلحة

في البداية يمكن التعريف بمفهوم المصلحة من حيث اللغة والمعنى ، فالمصلحة لغةً هي الفائدة من حيث المعنى والوزن اللغوي ، وهي كلمة مفردها مشتقة من الصلاح ، وجمعها المصالح ، وفي معناها إشارة إلى كل ذي نفع من جلب للمنافع او دفع للضرار.

أما في تعريفها الإصطلاحي ، فهي المنفعة المقصوده من احكام الشريعة الإسلامية التي وضعها الشارع الحيكم رحمة لعباده ، بما تحققه من حفظ للدين والنفس والعقل والنسل والمال ، في كل حكم من احاكم الشريعة الإسلامية ، والمنفعة في جلب الخيرات ودفع المضرات[2].

وتمثل المصلحة او المنفعة غاية مثبته في فطرة كل إنسان والتي تمثل المبرر في كافة تصرفاته واعماله ، والتي يعني بها تحقيق المنفعة المرادة من تلك التصرفات وهذا امر لا خلاف فيه ، ولأهمية هذه القضية فقد رعى الإسلام ان تكون تلك المصلحة المنشودة في اتم صورة لها من حيث تحقيقها ودفع المضار الأخرى التي تصاحبها وتوافقها مع المصلحة العامة للعباد ، وفقاً لأحكام وتشريعات تضمن في تحقيق تلك المنافع بالصورة الصحيحة والسهلة.

ومفهوم المصلحة بشكل عام يحمل عدة ابعاد عقائدية وفلسفية وتشريعية وقانونية ودلالية ، هذا ما جعل الجدل يثار فيها من حيث النظرة الفلسفية والتفسيرية في مقياس المنفعة والتي تمثل رؤية دنيوية بحته في هذا المفهوم ، هذا ما جعل الخلاف يتصاعد في تحول المسار الحقيقي للمصلحة ، كونها تؤخذ في معيار زمني تقاس فيه المصالح والمفاسد ، كذلك النطاق المادي او الجغرافي لها ، ومن حيث كونها تقام على تحقيق الملاذ المادية الدنيوية.

المصلحة في الشريعة الإسلامية

اهتمت الشريعة الإسلامية بخلاف الأنظمة الوضعية بمفهوم المصلحة من حيث تحقيق المصالح العامة والشخصية التي لا تتعارض مع المصلحة الاهم والاعم والتي تتوافق مع احكام الشريعة الإسلامية ، بل التي جاءت من اجلها تلك الأحكام الشرعية ، وحيث تقتضي المصلحة في الشريعة الإسلامية من خلال النظر في ثلاثة نقاط وهي:

اولاً ، عنصر الزمان والذي تحقق فيه مصالح الأعمال وآثارها ، يمثل في الدنيا والأخرة ، حيث ان النظرة في المصلحة من الجانب الشرعي ، ليست نظرة دنيوية ، فقد تتأخر ثمار او المنافع المراده من الاعمال المنضبطة لاحكام الشريعه ، ولكن لا تضيع.

ولأن تلك الأحكام اتت من لدن عليم خبير فقد وضع لتلك الأعمال مصالح مستقبلية لا يعلمها الإنسان ، فالمصلحة في الشريعة الإسلامية لا تنحصر بزمان او مكان ، بل تمثل بشكل اعم واوسع ، ويثبت على ذلك العديد من التجارب الواقعية ، والقصص التي اشارة إلى ان العمل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وما تقتضية عاد بنتائج غير متوقعة في تحقيق المصلحة للعباد في حاضرهم ومستقبلهم.

ثانياً ، المصلحة لا تنحصر بشكل مادي فقط ، بل تلبي الإحتياج الجسدي والروحي لدى الإنسان ، حيث ان الإنسان يتطلع إلى إحتياجات روحية تحقق له الإستقرار النفسي الداخلي ، إلى جانب الإحتياجات المادية الدنيوية ، ولذلك فقد وضعت احكام الشريعة الإسلامية لتحقيق المصلحة التي تمثل تغذية روحية للإنسان وتلبي كافة تلك الإحتياجات قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾[3]

وتمثل المصلحة في الشريعة الإسلامية بعكس النظرة الدنيوية التي يضعها علماء الاخلاق والفلاسفة في كون المصلحة الجسدية تقدم على غيرها ، حيث تمثل الحاجة لمعرفة الحق وإشباع الفراغ الداخلي للإنسان من المصالح الروحية التي تمثلها احكام الشريعة.

كما انه لا يمكن تلبية تلك الإحتياجات من خلال الاعمال تستند إلى مصحلة دنيوية فقط ، وقد اشارت العديد من الأحكام لتلبية هذه الإحتياجات ، كتزكية النفس البشرية ومعالجتها من الأمراض القلبية كالحسد والحقد وغيرها ، قال تعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾[4]، وذلك من خلال التوجيهات الربانية في الإجتهاد بأداء العبادات كونها مصدر للسكينة والإستقرار النفسي ودواء لكل ضيق وكرب.

وقد اشار الحق عز وجل فيما تحمله العبادة من مصلحة روحية تمنح السيكنه قال تعالى ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾[5].

إلى جانب تلك المصالح الدنيوية التي تحققها احكام الشريعة الإسلامية ، فإنها تمثل الأساس في المصلحة الأساسية التي خلق الإنسان لتحقيقها وهي المصلحة في الدار الأخر والفوز بالجنة.

ثالثاً ، تشير المصلحة في الشريعة الإسلامية إلى ان مصلحة الدين هي الأساس لبقية المصالح ، بل وتقدم عليها في تحقيقها ، ولا خوف من ذلك كون مصلحة الدين هي مصلحة للعباد في الدنيا والأخرة ، ولا يوجد تعارض كبير بينهما كما يروج له المشككون.

بل ان الدين يرعى مصلحة العباد بدرجة كبير لم تستطع ان تصل إليها اي من الأنظمة الوضعية في مسألة المصلحة ، قال تعالى ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾[6] إشارة إلى ان المصلحة الذي تحققها الشريعة الإسلامية أفضل وأكثر نفع من المصالح الدنيوية التي تلبي الدوافع الجسدية للإنسان بعيداً عن التغذية الروحية.

توجد العديد من الادله التي تشير إلى مراعاة المصلحة في الشريعة الإسلامية ، قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[7] إشارة إلى المصلحة العامة التي اتى لتحقيقها الدين الإسلامي لكافة الناس ، وبصورة اخرى فقد اتت العديد من الادلة التي تشير إلى ان المصلحة التي يحققها الدين أفضل من المصلحة المستندة على الأنظمة الوضعية ؟

قال تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾[8]

وفي قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[9]

حيث تمثل الآية السابقه من الادلة الصريحة في اهتمام الدين الإسلامي بالمصلحة والتي مثلت الغاية من احكامها الشرعية.

كما راعت السنة النبوية مسألة المصلحة في العديد من الأدلة الصحيحة ، كما جاء في قوله ﷺ [الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق][10]وفي هذه الحديث دلالة على الإهتمام بالمصلحة العامة وإقرانها بالتوحيد.

المصلحة عند جمهور الاصوليين

عرف جمهور الأصوليون بأعتمادهم على مصادر الشرع الإسلامي وادلته ، والتي تتعدد وفق ترتيب واولية نظمت مسائل واحكام الشريعة ، ولذلك تنوعت قضايا المصلحة بدرجة الأدلة الشريعة التي راعتها ، فالقرآن الكريم يمثل اول تلك الأدلة ومن بعده تأتي السنة النبوية وقد إرتبط هذين الدليلين بالمصلحة المقاصدية والتي عرفت لدى جمهور الأصوليين بمقاصد الشريعة المنظمة في مصالح موجبة او ضرورية وحاجية ومستحسنه.

والاخذ بالمصلحة وفقاً لما تقتضية الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ، بحيث تنضبط المصلحة وفقاً لعدة شروط اولها بالتلائم والإنسجام مع مقاصد الشريعة وعدم وجود اي تعارض بين مقتضيات المصلحة ومقاصد الشارع الحكيم كون المصلحة الشرعية والدين تتقدم على باقي المصالح ولا خلاف في ذلك بين جمهور الاصوليين.

كذلك تؤخذ بالمصلحة في إثباتها بصورة صريحة فلايدخل فيها الإحتمال والظنون ، وإنسجامها مع العقلانية والواقعية ، وعدم تعارضها مع المصلحة العامة ، فالأصوليه راعت العموم على الخصوص والمصلحة الشخصية ، نظراً لأن احكام وتشريعات الدين الإسلام اتت بشكل العموم لا الخصوص ، وذلك من خلال الملاحظة في ان الأدلة الشرعية راعت المصلحة العامة قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[11] ، إشارة إلى شمولية الشريعة الإسلامية في رعاية المصلحة العامة وتقديمها على المصلحة المخصوصة.

المصلحة عند الطوفي

مثل الامام نجم الدين الطوفي أحد اعلام الأمة في علم الاصول والفقه الإسلامي ، ومن الذين عنو جيداً بقضية المصلحة الشريعة وفقاً لمقتضيات احكام الشرعية ومقاصدها ، وفي جملة مقاصد الشرع ، نجد انها سعت في الحفاظ على المجتمع وكيانه الموحد والعمل بما يتوافق مع مصلحة العباد على المستوى الخاص والعام.

حيث مثل القرآن الكريم في اولى مصادر وادلة الشريعة في رعاية المصلحة ، ومن بعدها تأتي السنة النبوية الصحيحة وما احتوته من تعليمات وشرح لأحكام القرآن الكريم ولا خلاف في ذلك بين مختلف المسلمين.

ومن ثم يؤخذ بما أجتمعت عليه الامة ، وبعدها باجماع اهل المدينة ،ثم القياس ، وقول الصحابه ، ومن بعدها تأتي المصلحة المرسلة ويعنى بها المصلحة المنضبطة لأحكام الشرع في دفع المفاسد ، ومن ثم يؤخذ بالاستصحاب والبراءة الاصلية والعادات والإستقراء وسد الدرائع والإستدلال والإستحسان والأخذ بالاخف والعصمة وغيرها من الادلة وذلك على الترتيب في أولوية الدليل المأخوذ به.

ويرى في مسألة الأخذ بالأدلة في شؤون المصلحة والمفسدة ، ان النص والإجماع إن جاءا بالمصلحة التي لا تقتضي فيها اي مفاسد كليه ، وجب الأخذ بهما كونهما يراعيا المصلحة ، اما في ورود الضرر عند الاخذ بهما ، كان من الارجح الاخذ بما تقتضيه المصلحة في حال لم يرد في ذلك نص مطلق في إحداث الضرر عند الاخذ بالدليل ، كالعقوبات والحدود.

ونعني ان يكون الدليل في رعاية المصلحة اقوى من الإجماع ، عند اخذ المصلحة بما يشمل التفسير والبيان للآدلة الشرعية ، والأخذ بالمقاصد الشرعية منها.

رعاية المصلحة في اصول الشرع

في حديث النبي ﷺ [لا ضرر ولا ضرار][12] ، يشير إلى موضوع رعاية المصلحة في الشريعة الإسلامية ، إثباتاً ونفياً ، كذلك في درء المفاسد في نفيها ، والضرر إشارة إلى المفسدة التي تلحق بالغير بشكل مطلق ، اما الضرار فهو الرد في ذلك إي انه إلحاق الضرر او المفسدة من الطرف الأخر ، بحيث يكون الضرر متبادل بين الطرفين ، حيث نجد ان الجملة لا ضرر ولا ضرار مثلت اختصار لأصلها وهو " لا إلحاق ضرر بأحد ، ولا فعل ضرار مع أحد".

ويعني بـ لا لحوق الضرر بأحد إلا بموجب شرعي ،كون الحكم الشرعي بذلك لا نفي فيه كالحدود والعقوبات ، وفي ذلك استثنا بالحكم ، حيث ان المصلحة تاتي بتطبيق العدل في الحكم والمساواة في العمل ، ويقول المولى عز وجل﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[13] ، وقوله ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ﴾[14] ، وذلك لما فيه من دلاله على المصلحة العائدة من احكام الشرع ، ففي نفي الضرر لزم اثبات المصلحة من ذلك.

وذلك النفي عام ومثبت حكماً ، إلا ما استثني شرعاً بدليل صريح ، وفي ذلك العمل على تقديم الدليل الشرعي المختص في نفي الضرر وجلب المصلحة من ذلك ، وكما اشار الطرفي إن الأدلة الشرعية تسعة عشر بالإستقراء ، قد جعل اولها النص الشرعي والأخذ بالإجماع ورعاية المصلحة ، فإن إتفقت تلك المصادر في الحكم لرعاية المصلحة ، فلا حرج في ذلك وينفى ما نفت ويؤخذ بما اقتضت ، أما إن تعارضت مع رعاية المصلحة ، فتقدم المصلحة بموجب الإيضاح والبيان ، دون تعطيل تلك المصادر ، ويقصد هنا من خلال الأخذ بالمقصد والبيان لتلك المصادر التشريعية بموجب المصلحة ونفي الضرر ، كما يمكن تقديم السنة على القرآن بنفس الطريقة اي في تفسير المقاصد الشرعية في نصوص الدليل الشرعي.

ويستثني من ذلك ما جاء فيه نص شرعي واضح على وجوب الحكم ، كـ الحدود والعقوبات الموضحه بالنصوص القرآنية والسنة النبوية ، ويمكن الإشادة بأن رعاية المصلحة تقدم على الإجماع كدليل شرعي .

والمصلحة تصريف مشتق من الصلاح في الأمر ، أي ان يكون على أكمل صورة ، بالأمر الذي لا يتعارض مع مقتضى دليل شرعي واضح ، ويمكن ان نرى اهتمام الشارع الحكيم بالمصلحة في عدة مواضع ، قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾[15] ، وفي هذه الآية إشارة إلى المصلحة العظيمة من شريعة المولى عز وجل المنزله لكافة الناس.

فنجد في قوله موعظة ، دلالة على الإرشاد والتوجيه للسير في خطى سوية تقود إلى الصلاح في الدارين ، والوعظ يمثل من كبرى المصالح المكتسبه ، ودليل على رعاية الشريعة بما تقتضيه المصلحة للعباد ، اما في قوله شفاء لما في الصدور ، فيمثل وصف للمصلحة التي منحتها احكام الشريعة الإسلامية في التخلص من تلك الامراض التي تصيب قلب الإنسان ، كـ الحسد والحقد والشك وغيره ..

والعديد من الآيات التي دلت على عظمة الدور الذي مثلته الشريعة الإسلامية في رعاية المصلحة بالشكل الذي يضمن للناس الفلاح في الدنيا والاخره ، في تحقيق المنفعة والمصالح ، وكذلك في درء المفاسد وابعادها.

المصالح والمفاسد

في الحديث في هذا الشأن نجد التضاد بين المصالح والمفاسد في المعنى ، ومن المشاهدات الحية نجد ان بعض المصالح تصاحبها بعض المفاسد احيانا ، وفي هذه المسألة نجد الأولوية في التقديم والتأخير ، بحسب الواقع والظرورة ، وفي رؤية الإمام الشاطبي في هذا الأمر نجده قد طرح بعض الأمثله في التفضيل بين النفس والمال ، حيث تحدد الأولوية بإحياء النفس على حساب المال ، وفي التفضيل بين النفس والدين ، فالتفضيل في اولولية الإختيار يعود للدين على حساب النفس معتمداً في ذلك على الأدلة الحاثة على الجهاد بالنفس والمال في سبيل الله.

وكذا هو الحال في قضية جلب المصلحة ودفع المفسدة ، فنجد الأمر يعود على اولوية الإختيار وقياس المصلحة العائدة ، فإن كان جلب المصلحة يحتمل مفاسد أكبر من حجم المصلحة المحققه ، كان من الأولى درء تلك المفاسد على الاولوية ، وعلى العكس من ذلك ، في درء المفاسد وجب التحقق من المصلحة العائدة من ذلك ، مالم يرد بذلك دليل شرعي يوجب درء المفسدة من باب الفرض والوجوب.

والمصالح تقاس على نوعها ، وتقدم وتؤخر على اولوية محدده شرعا وإجماعاً وقياس لما يتوافق مع العقل والترجيح ، حيث يقدم الاصوليون المصلحة في الدين على باقي المصالح الأخرى وذلك على وجه الإلزام في الأمر والوجوب ، وتقدم المصلحة العامة على الخاصة ، إن لزم الإختيار بين الأمرين ، ووفقا للمتغيرات الواقعيه .

كذلك الحال على بعض القضايا التي استوجبت دفع الضرر على تقديم المصلحة دون نص صريح بذلك ، ولا يعني بالمصلحة بالإباحة المطلقة والمفسدة بالمنع المطلق ، وإنما يعود ذلك إلى النظر في متغيرات المسألة وظروفها ، والأخذ بالمصلحة الاعم التي لا تتعارض مع نص شرعي صريح ، اما في مسألة المصالح والمفاسد في الدين فإن شأنها لايعود إلا بما ورد فيه دليل شرعي فقط ، ولا يؤخذ به من الترجيح او الإجماع وما إليها.

الختام

نلاحظ انه تم التعريف بمفهوم المصلحة ، بأنها مشتقه من الصلاح وتعني الإنتفاع او المنفعة المكتسبة ، والتي تؤخذ على عدد من الأدلة والمراحل ، بحيث تمثل المصلحة المنفعة التي تعود بها مقاصد احكام الشرعية الإسلامية ، والتي تمثلت في النصوص الشرعية والسنة النبوية المفسرة لها.

والمصلحة كما عرفنا ، تأتي في جلب المنفعة ، وقد تأتي في دفع المفسدة ويجب هنا ايضاح المصلحة المكتسبة من ذلك ، وقد اولى جمهور الاصوليون اهتمام كبير بهذا القضية كونها احدى فروع مقاصد الشريعة ، ولذلك نضموا هذه المسألة وفق عدة شروط وقواعد اساسية ، حيث يرون ان المصلحة الدينية تغلب على المصلحة الدنيوية وباقي المصالح الاخرى .

حيث ان الدين الاسلامي راعى المصلحة بشكل كبير من خلال الاحكام والتشريعات التي نضمت ما يحقق مصلحة العباد ، حيث ان المصحلة من الدليل الشرعي تمثل بصورة أفضل ، بحيث لا ترتبط بعنصر الزمان والمكان ، كون مصدرها من علام الغيوب واللطيف الخبير ، الذي انزل لعباده منهج سوي ينضم حياتهم بالشكل الذي يلبي تطلعاتهم ويحقق مصالحهم ، ويدرء عنهم المفاسد والضرور ، حيث وتمتاز بانها مصلحة في الدنيا والاخرة ومصلحة روحية وجسدية ، فلا يمكن القول ان تحقيق المصلحة تتعارض مع ما وردت فيه الادلة الشرعية في رعايتها .

المصادر

  • ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية ، لـ محمد سعيد رمضان البوطي
  • رسالة في رعاية المصلحة ، لـ نجم الدين الطوفي
  • التعيين في شرح الأربعين ، لـ نجم الدين الطوفي ، ص 234 – 280
  • الموافقات في اصول الشريعة ج2 ، لـ أبي إسحاق الشاطبي ، ص 39 – 48

[1] سورة الأنبياء، الآية 107

[2] ضوابط المصلحة للبوطي ، مفهوم المصلحة لغة واصطلاح ص23

[3] سورة يونس، الآية 57

[4] سورة الأعلى، الآية 14

[5] سورة طه، الآية 130

[6] سورة يونس، الآية 58

[7] سورة الأنبياء، الآية 107

[8] سورة ابراهيم، الآية 28

[9] سورة النحل، الآية 90

[10] رواه ابو هريرة ، أخرجه مسلم في صحيحة.

[11] سورة الأنبياء، الآية 107

[12] حديث حسن رواه ابن ماجة والدارقطني وغيرهما مسندا

[13] سورة البقرة، الآية 185

[14] سورة المائدة، الآية 6

[15] سورة يونس، الآية 57