التحكيم بين الزوجين ( الجزء الأول ) مدخل لموضوع التحكيم داخل الاسرة

التحكيم بين الزوجين ( الجزء الأول ) مدخل لموضوع التحكيم داخل الاسرة
التحكيم بين الزوجين ( الجزء الأول ) مدخل لموضوع التحكيم داخل الاسرة

المقدمة

في هذا الموضوع سيتم الحديث عن التحكيم ودوره في الحفاظ على الاسرة من خلال عدة مباحث ومطالب، وكون الاسرة تمثل محور أساسي في هذا الموضوع فيبدأ الحديث حولها، كون الاسرة تمثل أساس المجتمع والركيزة الأساسية لبناء المجتمعات والشعوب، حيث ان الاهتمام بالأسرة يمثل عامل أساسي في الحفاظ على المجتمع من التفكك والانهيار، وقد اهتمت الشريعة بالأسرة والحفاظ عليها، وذلك عن طريق رسم القواعد الأساسية والاحكام التي تساهم في استقرار وتماسك الاسرة، والسعي لحل أي نزاع او خلاف قد يحدث داخل الاسرة، وكذلك الأنظمة والقوانين المحلية في دولة الإمارات العربية المتحدة اهتمت بقضايا الاسرة كونها تمثل امن واستقرار المجتمع، وقد شملت ذلك في قانون الأحوال الشخصية الاماراتي، الذي شمل العديد من المواد القانونية حول الاسرة والقضايا المتعلقة بذلك.

وكذلك يتحدث عن موضوع التحكيم حيث يمثل من اهم المواضيع التي عنتها شريعة الإسلام في حل الخلافات والشقائق بين الزوجين والسعي في إحلال الامن والاستقرار داخل الاسرة والحفاظ عليها، ومن اشكال التحكيم في الاسرة ما نجدة في التحكيم بين الزوجين لإنها أي نزاع او شقاق حاصل بينهما، حيث يتمثل ذلك من خلال ارسال الحكمين من كل طرف من اجل البحث في مسببات الخلاف بين الزوجين، والعمل على إيجاد الحل الأنسب في الإصلاح داخل الاسرة وحل النزاع الزوجين.

وقد ركزت هذا المقال على موضوع بعث الحكمين والشروط التي يجب ان تتوافر فيهم والدور الذي يمثلانه في الإصلاح، والبحث في مختلف جوانب التحكيم من الجانب الفقي والبيان على مشروعيته واهميته، وكذلك من الجانب القانوني وبيان القوانين والمواد الدستورية التي تؤكد على مشروعية التحكيم ودورة في الحفاظ على الاسرة واستقرار المجتمع.

أهمية الموضوع

تتمثل أهمية الموضوع وان اختياره عائد على اهتمام الإسلام بقضايا الاسرة بشكل خاص كونها تمثل اساس المجتمع والعامل الأهم في تلاحمه والحفاظ عليه، ولذلك فقد حددت الشريعة الإسلامية العديد من التشريعات التي تهدف من خلالها في الحفاظ على الأسرة وحل أي نزاعات قد تحدث داخل الاسرة.

وكذلك تتركز أهمية الموضوع من جانب اخر في اهتمام القوانين المحلية في دولة الامارات العربية المتحدة بمسألة التحكيم وكيف يساهم في الحفاظ على الاسرة من خلال إيضاح المواد القانونية التي تؤكد على ذلك، وكذلك نرى ذلك من خلال القانون الاتحادي للتحكيم، وقانون الاحوال الشخصية الاماراتي الذي ركز على قضايا الاسرة والاهتمام بها كونها تمثل الركيزة الأساسية في الحفاظ على امن واستقرار المجتمع.

كما ان  الشريعة الاسلامية اهتمت في وضع الأساليب المناسبة في حل مسائلة الشقاق واي نزاع حاصل من خلال التحكيم والعمل على إزالة أسباب القطيعة والنزاع بين الزوجين، وقد شرع المولى عز وجل ذلك في قوله تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾[1] مبينة هذه الآية المنهج الصحيح اتباعه في التحكيم والحفاظ على الاسرة، حيث ان الخطاب في الآية السابقة خاطب عام، ليوضح الاهتمام الكبير بحل أي نزاع او شقاق حاصل، والعمل على اصلاح ذات البين من اجل الحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه والنهوض بالمجتمع المسلم.

مفهوم التحكيم

التعريف بالتحكيم لغتاً

يرتبط مفهوم التحكيم في اللغة حول بعض المعاني كـ الخصام والمنع والضبط والتفويض وغيرها كالقضاء والإحكام والإتقان[2]، حيث ان الحَكَم (بفتح الحاء) من صفات الله عز وجل كما جاء في قوله تعالى ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[3] وفي قوله تعالى ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾[4].

حيث ان الحكيم والحَكَم إسمان مشتقان من المصدر حكم على وزن فعل، وهما أسماء الفاعل يعنيان بـ القاضي او الحاكم، وهو الشخص الذي يحكم بالأمور ويتقنها.[5]

حيث يمثل التحكيم في عدة معاني، اما في التحكيم في المخاصمة والتحاكم في امر إلى القضاء او الحاكم، للتحاكم في امر ما. او ان يمثل التحكيم في المنع والردع، كما يقال في القضاء الحكم أي منع الظلم، ويقال احكم فلان من ارتكاب الخطأ، أي امنعه من ذلك. كما قد يأتي معنى الحكم بـ الإتقان، فيقال احكم اغلاق الباب، أي اغلقه بإتقان. وقد يأتي المعنى أيضا بـ القضاء، حيث وهو المعنى الأكثر شيوعاً حيث يمثل القضاء الحكم بين الناس بالحق لدفع الظلم واحقاق الحق، ويقال فيه الاحتكام أي ان يحتكم الناس إلى القاضي او الحاكم. وايضاً يمثل التحكيم بـ التفويض، فيقال حكَّم بتشديد الكاف، فتعني فوض في امر ما.

التعريف الاصطلاحي للتحكيم

تختلف التعريفات حول مفهوم التحكيم اصطلاحا ولكن بشكل بسيط، لا يجعل اختلاف في المعنى العام للمصطلح، فقد عرف التحكيم عند الحنفية ان يولي كل من الخصمين حاكماً للحكم بينهما، بحيث ان يتمثل الحاكم في الفرد او التعدد[6]، ويعرف لدى فقهاء الحنبلية على انه احتكام طرفي الخلاف إلى رجل محكم بينهما بالتراضي، بحيث يشترط فيه ان يكون مؤهل للقضاء لكي يحكم بينهما بالعدل[7]، وعند المالكية لا يختلف ايضاً فيعرف على انه اتخاذ خصمي النزاع حكماً يرتضيانه للحكم بينهما[8]، اما عند اهل الشافعية فيعرف التحكيم انه اتخاذ الخصمين رجلاً من الرعية للقضاء بينهما فيما تنازعا فيه[9].

ومما سبق فلا نجد أي اختلاف في المعنى لدى التعريفات المختلفة عند أصحاب المذاهب الأربعة، فنجد المفهوم العام للتحكيم ثابت ومتفق عليه.

ويمكن اختصار التعريف بـ التحكيم على انه اتفاق طرفي النزاع على تحكيم او تولي حكم او أكثر بالتراضي يكون مؤهلاً للفصل فيما تنازعا فيه، والحكم بينهما وفق أصول الشريعة.

مفهوم الأسرة

الاسرة هي أساس المجتمع والركيزة الأساسية لبناء المجتمعات وتطورها، وفي هذه الجزئية يمكن التعرف على الاسرة من خلال التعريف بها لغتاً وإصطلاحاً، كما يلي:

تعريف الاسرة لغتاً

لغتاً فإن الاسرة كلمة يعود أصلها لـ الأسر بالفتح وتعني العصب او الشد حيث تشير بهذا المعنى الى التلاحم والترابط، وهي اسم مفرد وجمعها أُسر، وفي الضم نجد ان الاسرة هي الدرع او الحصن، فتمثل الاسرة لغتاً هي الجماعة التي يتقوى بها الشخص، حيث انه لا يكون له القوة او الاعتزاز الا ضمن اسرة تجعل منه حصيناً منيعاً.[10]

كما ان الاسرة هي أساس المجتمع والنواه الأولى له، حيث انها جزء لا يتجزأ من بناء المجتمع، كونها تمثل تجمع من الافراد المرتبطين فيما بينهم ارتباطاً وثقياً، اما رباط الدم كالأبناء او الارتباط من خلال العلاقة الزوجية او القرابة، بحيث تتكون الاسرة من الوالدين والابناء، وتتصف الاسرة بكونها تتمثل في العلاقة بين جيلين (الآباء والابناء).

وفي جانب اخر تمثل الاسرة الرابطة الاجتماعية المتكونة من الإباء والابناء ويمكن ان تتسع لتشمل الجدود والاحفاد، وغيرهم من الأقارب نظراً لتشاركهم المعيشة، ويتمثل هذا الرأي وفق بعض من علماء الاجتماع، واخرون يرون ان الزوجين دون الأبناء لا يمثلان الاسرة.

التعريف الاصطلاحي للأسرة

تمثل الاسرة أساس كل المجتمعات الإنسانية، حيث انه لا يخلوا أي مجتمع من الاسرة، والعكس من ذلك فلا توجد اسرة دون مجتمع، كونها تمثل الركيزة الأساسية لبناء المجتمع، وهي البيئة المحيطة بالفرد منذ ولادته وهي المدرسة التي ينهل منها كل علم ومعرفة منذ صغره، بحيث تزوده بالمعلومات والقيم والمبادئ التي تساهم في تربيته وتعايشه مع المجتمع المحيط به.

كما ان الاسرة هي المنهل الأساسي للإنسان في تحقيق رغباته وغرائزه وتلبية متطلباته وتطلعاته الأساسية والاجتماعية، كـ التعايش، والتكاثر، والعواطف والانفعالات وغيرها من المشاعر والتطلعات الأساسية للحياة والتعايش داخل المجتمع.

وتوجد العديد من التعاريف الاصطلاحية حول مفهوم الاسرة، حيث تعرف على انها كيان اجتماعي تنظيمي مصغر، بحيث يتكون من جيلين كحد أدني، وتكون العلاقة بين افراده قائمة على رابطة الدم او الزواج والقرابة[11].

كما ان الاسرة لا تقتصر على كونها الوسيلة في تحديد النسل وتربية الأبناء وفق المفهوم الشائع، ولكن لها دور أكبر في تزويد افرادها بالمتطلبات الأساسية التي تشبع تطلعاتهم الاجتماعية والإنسانية، ولها علاقة بتكوين وتطور الانفعالات الداخلية للإنسان، وتحقيق الامن الاقتصادي له، وغيرها من الأدوار الأساسية التي تمثلها الاسرة داخل المجتمع.

المصادر

[1] سورة النساء، الآية 35

[2] ابن منظور: لسان العرب (12/140-145) مادة حكم، أحمد رضا: معجم متن اللغة (2/139-140) مادة حكم

[3] سورة القصص، الآية 88

[4] سورة الانعام، الآية 62

[5] ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 418، 419)

[6] الحصكفي، الدر المختار بحاشية رد المحتار (5/428)

[7] ابن قدامة، المغني (11 /484)

[8] ابن فرحون: تبصرة الحكام (1/43)

[9] الماوردي: أدب القاضي (1/320)

[10] مجد الدين آبادي، القاموس المحيط، ص 438.

[11] زهير عبد المالك، علم الاجتماع لطلاب الفلسفة، ص 90.