التنوع الثقافي ومحددات الإختلاف ومقومات التعارف بين المجتمعات

التنوع الثقافي ومحددات الإختلاف ومقومات التعارف بين المجتمعات
التنوع الثقافي ومحددات الإختلاف ومقومات التعارف بين المجتمعات

المقدمة

يمثل الإختلاف القائم على اسس دينية وثقافية بين المجتمعات المختلفه ، المشكلة الاساسية لإزدياد حدة التوتر بين تلك المجتمعات ، بسبب صعوبة فهم كل طرف للآخر ، حيث يرى ان الإختلاف بين المجتمعات يأتي على عدة مستويات ، إما إختلاف عرقي ، و الإختلاف الثقافي ، و الإختلاف العقائدي او الديني ، وذلك الاختلاف الناتج بين المجتمعات الدينية على وجه التحديد كان سبباً في التعصب والصراعات بين تلك المجتمعات على مر العصور ، حيث ان الإختلاف بشكلة العام احد القضايا الهامة التي وضعها الخالق في البشر ويقدم من خلالة مقصد شرعي وحكمة عظيمة قال تعالى ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [سورة هود ، الآية 118]

حيث ان الإختلاف بين المجتمعات يقوم على العديد من الأصول التكوينية والتي مثلت اسس شرعيته وفهمه بالشكل الصحيح ، ونتيجة ذلك الإختلاف بين المجتمعات فقد اتت الحاجة للتعارف بين تلك المجتمعات ، لما فيها من أهمية ونتائج عظيمة تحقق الحكمة والمقاصد الشرعية للإختلاف ، والتي لأجلها اتت حكمة الخالق عز وجل في خلق الناس مختلفين في اجناسهم وألوانهم وثقافتهم ، وقد حدد التقوى كونها المعيار الأساسي في التفضيل بين البشر والمجتمعات المختلفه.

الإختلاف بين المجتمعات

عند النظر في مفهوم الإختلاف نجد ان فيه حكمة عظيمة ارادها الله رغم وحدانية الخالق ، إلا انه يحمل العديد من المقاصد الشرعية في معناه الحقيقي ، والتي يمكن استيعابها في واقعنا المادي ، كما ورد في ذلك عدد من النصوص القرآنية صريحة المعنى في ظرورة الإختلاف وأهميتة في خلق التوازن الحياتي بين المجتمعات ، قال تعالى ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ [سورة الروم ، الآية 22] ، وقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [سورة الحجرات ، الآية 13] ، وبالرغم من ذلك فقد ظهرت العديد من المشاكل والصراعات القائمة على تلك الإختلافات ، حيث ان السبب فيها ليس الإختلاف نفسه ، وإنما الفهم الغير الصحيح للمقصد الحقيقي من وراء تلك الإختلافات والتمييز ، وتحويلها إلى مسار خاطئ المؤدي إلى الإنقسام والتفرقه بين المجتمعات ، ولذلك فقد كان من الظروري العمل على إيضاح هذا المفهوم للحد من إنحراف المقصد الشرعي له عن المسار السليم ، وتسوية المسألة من خلال التعامل مع التعددية او الإختلاف المجتمعات القائم على اسس دينية او ثقافية او سياسية ، بشكل مسؤول يضمن تحقيق المقاصد الشرعية له دون حدوث اي تضارب بين تلك الفرق.

مقومات التعارف بين المجتمعات

يمثل التعارف بين المجتمعات المقصد الشرعي الأول من خلق الناس متفاوتين رغم وحدانية الخالق ، قال تعالى ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [سورة الحجرات ، الآية 13] ، حيث ان التعارف يمثل الطريق الواصل بين التنوع الإجتماعي القائم على الإختلاف ، فلا تعارف دون اختلاف ، وتظهر مشروعية الإختلاف مع التعارف بشكل متكامل لتكوين المجتمع الواحد القائم على التبادل المعرفي بين افراده. وتأتي الحكمة من التعارف بين المجتمعات المختلفه ، في الإستفادة من تجارب بعضها ، وتبادل المعرفة في المجالات الحياتية المختلفه التي تحقق النمو الحضاري لكل من تلك المجتمعات ، فالإنسان كائن تكاملي يعيش ضمن مجتمعات ، بحيث يبني مهاراته ومعرفته وفقاً لتجاربه احياناً ، وتبادل تلك النتائج والمعرفة المكتسبه مع غيره ، والاستفاده من تجاربهم ، لتكوين فكره الخاص بشكل اسرع.

الخاتمة

من خلال ما سبق نرى ان الإختلاف فيه حكمة عظيمة ، فلا يمكن للمجتمعات التطور والنهوض لو انها تساوت في صفاتها واهدافها ، ولكن جاءت حكمة الخالق عز وجل في تفاوتها لخلق فرص التعارف والتعاون بين الناس ، من اجل بناء فكر صحيح قائم على معرفة شاملة والاستفاده من التنوع والإختلاف الثقافي والسياسي والإجتماعي ، والمضي في المسار الصحيح الذي رسمته حكمة الخالق في مشروعية الإختلاف بين الناس ، والعمل على تحقيق الأمن والسلام وخلق فرص التعاون بين المجتمعات وتقبل كل طرف للآخر .

ولذلك فإن من الظروري العمل على محاربة الافكار الهادفه لخلق الصراعات القائم على الإختلاف بين المجتمعات والطوائف ، والسعي من اجل تحقيق السلام وترسيخ قيم التسامح التي دعت لها النصوص الشرعية ، والحوار القائم على دراسة اسباب النزاع بين الثقافات المختلفه ومعالجتها.

المصادر

  • محمد السماك، التعارف والتعدد والاختلاف في سلام: الغاية والمنهج ، 2015م ، المحور
  • محمد الصادقي العماري، شرعية الإختلاف الإنساني الأصول التكوينية والمقاصد التشريعية
  • فريـدة حايـد ، مقصد التعارف وأثره في القانون الدولي الإسلامي ، 2018 ، إسلامية المعرفة