سورة المطففين : دراسة في الاساليب البلاغية ودلالتها في التعبير القرآني

سورة المطففين : دراسة في الاساليب البلاغية ودلالتها في التعبير القرآني
سورة المطففين : دراسة في الاساليب البلاغية ودلالتها في التعبير القرآني

مقدمة

قدم القرآن الكريم في آياته خطاباً للناس مستعملاً في ذلك ابلغ الطرق والاساليب البلاغية، وافضل الكلمات ، واقوى انواع الحجج في خطابه للكفار والمشركين والمنافقين، وهذا ماجعل للقرآن الكريم وزن وقوة لغوية في طرح قضاياه وفرض الأحكام باسلوب بلاغي يتخاطب مع العقل.

ولكن إذا ما سألنا ما المعني بالبلاغة وماهو الحجاج؟ وماهي العلاقة بينهما ؟

يمكن التعريف بالحجاج باللغة على انه تصريف مشتق من حجة وهي البرهان على الشيء او الدليل في شيء لتأكيد أمر او نفيه، فيمكن القول في ذلك حاججته او احاجه ومعناها طرح الحجج والبراهين[1] او التغلب بتلك الحجج المدليه في امر ما ، وهو اسلوب بلاغي مستخدم بكثرة في القرآن الكريم كون القرآن الكريم خطاب للعقل وذو حجة قوية ، فنجد الحجاج في كونه الخطاب الموجه لطرف اخر لتحقيق غاية في التأكيد على امر بتلك الحجة الصادرة وبالمقابل يعطى للطرف الاخر حق في الإعتراض على تلك الحجج من خلال تقديم حجج اقوى منها تبطل الاوله، وبأسلوب يمكن المرسل من ايصال رسالته والاستجابه لها بالشكل المطلوب من المتلقي حيث ان الإستجابه تأتي من قناعة وتصديق.

ويعرفه  الدكتور طه عبد الرحمن على انه الفعالية الجدلية المتداولة كونه ذو طابع فكري إجتماعي، حيث انه يأخذ عوامل مختلفه من معرفة عامة مشتركة والمطلب الإخباري والتوجه الظرفي من اجل تقديم معرفة علمية بقدر الحاجة، والحوار الجدلي القائم على حجة قوية مقنعة في إلزام امر او نفيه من خلال ماقدم من براهين تغلب على الحجج الاقل منها قوة.[2]

والبلاغة لغتاً هي مشتقة من فعلها بلغ اي وصل والبلاغة هي الإيصال او الوصول، وتعرف كونها ايصال المعلومة او الشيء بافضل الطرق والاساليب من خلال اللغة الصريحة والمعاني الدالة المتناسبة مع الحدث او الموضوع التي تتناولة[3]

وتمثل البلاغة في تعريفها على انها ايصال المعلومة بالمعاني الصحيحة والعبارات الواضحة والفصحية وبالاسلوب المتميز دون تكلف بحيث يترك بصمة حسنة واثر جيد لدى المتلقي.[4]

وكون البلاغة والحجاج مفهومان مرتبطان بالأسلوب المتخذ في ايصال المعلومه او التأكيد على امر، فإن المفهوما يتداخلان في العلاقة بينهما على عدة جوانب، فنجد العلاقة بين الحجاج والبلاغة تكاملية احيانا ، واخرى علاقة إحتواء للأخر، فنجد في ذلك ظهور نوع بلاغي جديد سمي ببلاغة الحجاج، وكذلك الحجاج البلاغي وفيه تستخدم البلاغة والمنطق في الإقناع والإستدلال بلاغياً وجعل ذلك حجة في الحوار ، وظهرت بعد ذلك ماسمي بالبلاغة الجديدة وهي المزيج بين البلاغة التقليدية مع العلوم الفلسفية والإنسانية والحجج المنطقية والعقلية لتتسع حدود البلاغة عما كانت عليه وتظهر الحاجة للبحث الجاد.

وهذا ما جعل بلاغة الحجاج توصف بالبينية ، حيث تظهر في الادب والفنون ومختلف العلوم النفس والاجتماع والقوانين وعلوم التجارة والإقتصاد وفي العلوم السياسية والإعلام، وفي جميع فروع ما سبق، فقد ساهم الحجاج مع البلاغة في الإرتباط بمختلف العلوم والأداب.

 والقرآن الكريم هو اول من استخدم هذه الاساليب الحجاجية كونه اتى من صاحب العلم والمعرفة التي لا نهاية لها لا إله إلا هو، وقد ذكرت تلك الاساليب البلاغية والحجاجية في العديد من المواضع القرآنيه في خطابه مع الناس بالحجج والبراهين القوية والطرق البلاغية الصريحة التي توصل الرسالة باسلوب يجعل المتلقي يوقن بها صدقاً من خلال ما قدم له من براهين ترسخ فيه تلك الرسالة.

وفي هذا المقال سنناقش إحدى سور القرآن الكريم وهي سورة المطففين من خلال تحليل بلاغي وتوضيع الحجاج المذكورة في هذه السورة.

التعريف بالسورة

سورة المطففين هي من السور العظيمة التي اشتملت على تعاليم تربوية ودينية تنظم حياة البشر ، فقد وضعت الاسس والقواعد الظرورية في صنع نموذج عادل في البيع والشراء وكذلك تمثلت في تربية إجتماعية، لحفظ المجتمع وتحسين العلاقة بين الناس، فنجدها اتت لتعالج قضية إقتصادية وهي الخداع والغش في البيع من خلال التطفيف في الكيل والميزان، والاخرى معالجة ظاهرة إجتماعية متمثلة في الإستهزاء والسخرية من المؤمنين والتغامز، وذلك من خلال الإستنكار والوعيد من تلك الظاهرتين وما يقوم به اصحابها، والتذكير باليوم الاخر والجزاء الذي ينتظرهم إن لم يكفوا عن ذلك.

وسميت بسورة المطففين نسبة للقضية الهامة التي تناولتها في اياتها ، وهي من السور المكية عدد آياتها ستة وثلاثون آية وترتيبها في المصحف الشريف السورة السادسة والثمانون.

دراسة الآيات 1 إلى 6

قال تعالى ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)﴾

إبتدأت السورة بـ ويل للمطففين والمطففين هم من لا يوفو الناس حقهم في الوزن والتطفيف هو الإنقاص من المكيال المقدر او الوزن المفروض للآخرين ، والويل هنا إشارة يحمل معنى التوعد بالعذاب في الآخرة ، وقال اخرون ان ويل إسم لواد في جهنم كما جاء عن إبن عباس[5]

والبلاغة في القول تظهر بما استهلت به السورة من لفظ الوعيد والإستنكار بالإجماع ، ليفهم مقصد السورة فيما اشتملت عليه، فالوعيد دال على امر هام يجب الإنتباه له لتجنبه والحذر من الوقوع فيه.

وتظهر الحجة في الوعيد بالويل في الآيتين التاليتين، حيث ان الويل جزاء لهم كونهم إن اشتروا من الناس استوفوا ميكالهم واخذو حقهم كاملاً ، ولكنهم على العكس من ذلك حين يبيعون لغيرهم ، فيظهر الغش والخداع في الكيل واستيفاء الميزان، والمشاهد لهذا الحال يستنكره بشدة، أوليس من الظلم ان تأخذ حقك كاملاً ولا تعطي الناس حقهم، وتظهر بعد ذلك حكمة الله في الإستنكار لحالهم وتظهر حالة من الغرابة لأمر هؤلاء كيف لهم ألا يعتقدوا بأنهم ملاقوا الله وسياحسبهم على ما اقترفوه فكل نفس ستجزى بماعملت، في ميزان توزن فيه اعمالهم بالعدل، قال تعالى ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾[6]

ويظهر جانب بلاغي اخر في الترتيب او الإستباق بالإيضاح، فنجد الآية الثانية تمهد لقبح ما يقوم به هؤلاء ، حيث تظهر الآية أنهم إذا اشتروا من الناس استوفو مكيالهم ، لتظهر شناعة ما يقومون به من تعامل غير عادل بالرغم من التعامل الذي يتلقونه من الاخرين.

وبلاغة في الإيجاز بالمعنى من خلال الحذف في النص، حيث نرى ذلك في القول إذا كالوهم بدلاً من إذا كالو لهم وكذلك في وزنوهم بدلاً من وزنوا لهم ، حيث ان الإيجاز في القول دال على الاحقيه في تلك العمليتين، وذلك في تنزيل الممتلكات منزلة ذوات المالكين ، وذلك مايحمل بلاغة وعمق في المعنى[7].

وقد شملت هذه الآيات على العديد من الاوجه البلاغية التي زادت من قوتها وجمالها وعمق معانيها، فنجد الإستفهام والإستئناف والإظهار والمجاز العقلي، كل تلك اعطت الآيات قوة في حاجية المعنى والمفهوم.

دراسة الآيات 7 إلى 17

قال تعالى ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)﴾

تتحدث هذه الآيات عن كتاب الكفار وجزاؤهم يوم القيامة، لتقدم تحذير وإنذار للمكذبين والمشككين باليوم الآخر من العذاب الشديد الذي اعده الله لهم جزاء بما اقترفوه في الدنيا، كذلك تكشف الآيات هوية تلك الجماعة، وحالهم يوم القيامة حيث انهم محجوبون عن ربهم فلا يملكون شفاعة يوم القيامة، فلا منجى لهم من عذاب جهنم فيلقون فيها ، ثم يقال لهم هذا الذي كذبتم به قد حق عليكم اليوم.

في الحديث عن كتاب الفجار ، فالفجار لفظ عموم للمكذبين والمشركين ولكن المقصود بها هنا في سياق الحديث عن المطففين، بعدها تأتي الحجة في استحقاق الويل والوعيد به لما كذبوا به من اتيان يوم القيامه ، والحجة في ذلك ان التكذيب بهذا اليوم ماهو إلا كفر وإعتداء على ما جاء به الرسل والأنبياء من ايات وادلة على صدق ما اتوا به وصدق يوم القيامة، فهؤلاء المكذبين مستحقين للعذاب لأنهم كذبوا بالرغم من ان الله انزل عليهم الآيات والدلائل الصادقه والصريحة للعودة عما هم فيه، ولكنهم قابلوا ذلك بالسخرية والإستهزاء منه، فقالوا عنه ان تلك ماهي إلا اساطير قديمة غير حقيقية.

تظهر البلاغة في تشبيه ماهم فيه من ظلال بالران او الصداء الذي يظهر على الحديد، فجاء الرد على ما كذبوا وقولهم اساطير وخرافات، باللفظ كلا وهو رد صارخ على ماقالوا، وحجة الرد في ان قلوبهم صدأت من الذنوب والمعاصي التي اكتسبوها أما الآيات والدلائل حق لا ريب فيها.

وينتقل الحديث عن حالهم يوم القيامه حيث يحجبون عن ربهم فلا يملكون شفاعة، ويأتي التوكيد مباشرة بعدها على انهم لصالوا الجحيم ، بأسلوب بلاغي يحمل العذاب النفسي والسخريه منهم جزاء بما سخروا في الدنيا ، فيقال لهم ارائيتم الان .. هذا الوعد الذي كذبتم به هاهو حق عليكم اليوم.

دراسة الآيات 18 إلى 28

قال تعالى ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)﴾

تتحدث هذه الآيات عن كتاب الابرار والمؤمنين الذي صدقوا بيوم الدين، كرد على حال الفجار في الآيات التي سبقتها، ومقارنة هذا بذاك ، وتعرض الايات مشاهد من النعيم الذي يناله الأبرار في الجنه جزاء لهم بما قدموا وتكريما لهم.

تحمل الايات جوانب جمالية بلاغية حيث ذكر الله الأبرار لفظا حيث قال إن الابرار لفي نعيم بالرغم من ان الايات تتحدث عنهم فلم يورد فيهم ضمير إنهم بل اعاد ذكرهم بعكس حال الفجار فلم يكرر لفظهم واستعار بذلك إنهم ، كـ إنقاص للفجار والتفريق بين الحالين تكريما للأبرار المؤمنين.

الحجة البلاغية في الترغيب والجذب ، فعند ذكر الرحيق المختوم الذين يسقون منه ووصفه ، اشار بعد ذلك إلى التنافس في نيل ذلك الجزاء العظيم كونه امر يستحق العناء والتنافس للوصول له.

تظهر الصورة البلاغية في الإستفهام للتعظيم في قوله وما ادراك ماعليون ، والتوكيد في موضعين كلا إن كتاب الابرار لفي عليين ، ايضا في قوله إن كتاب الابرار لفي نعيم ، يدل على اهمية هذا الأمر واخذه في المقارنه مع حال الفجار، ما يضع حجة على العمل الجاد للفوز بجنات النعيم والدخول في جماعة الابرار.

دراسة الآيات 29 إلى 36

قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(36)﴾

ويعرض المقطع الاخير من السورة مقارنة واضحة في حال كل من المجرمين والمؤمنين في الدنيا والاخرة، فحال كل منهم في الاخرة جزاء لما قدمه في دنياه ، فالذين اجرموا في الدنيا وسخروا من المؤمنين وضحكوا منهم حين قالوا ان المؤمنين على ضلال، فتعرض الآيات تبدل الأحوال في الأخرة ، فنجد المؤمنين يضحكون من الكفار في الحال الذي وصلوا له ، حيث تحمل الايات دليل على عظمة العدل الإلهي يوم القيامة، فتجزء كل نفس بما كسبت، وتتبدل الأحوال فنجد من استضعفوا في الدنيا وظلموا يؤخذ بحقهم ممن ظلمهم وهم يرون الحال الذي وصل له الطرف الاخر.

تظهر الايات قوة بلاغية في سرد الاحداث بالتفصيل والترتيب من الحال في الدنيا إلى الأخرة والجزاء المنتظر، فتصف حال المجرمين ، والاجرام إشارة إلى الإثم العظيم، وكيف تعاملوا مع المؤمنين من سخرية واستهزاء وذكر التغامز الذي يمثل المعيب بالشخص، وهو ذنب كبير لما يحمل من اذية نفسية في الانسان وكيف وذلك التغامز والإستهزاء بسبب إيمان تلك الجماعة ، فهذا ذنب عظيم سيعاقبون عليه.

تظهر الايات شرعية استحقاق الجزاء الذي سيلاقونه المجرمين يوم القيامة بحجة ما ارتكبوه من ذنب في دنياهم ، وانقلاب الحال في الأخرة عن الدنيا بين الكفار والمؤمنين دليل على عظمة العدل الإلهي والحساب يوم القيامة، فيؤخذ المؤمنين بحقهم من الكفار يوم القيامة.

الخاتمة

مما سبق ، نجد ان سورة المطففين من السور العظيمة التي حملت عدة صور بلاغية زادت من قوة المعنى المذكور وحجية الدلائل المقدمة بصورة بلاغية جميلة واسلوب بديع في التسلسل في الأحداث ووضع المقارنات بين حال الكفار والمؤمنين، وتبادل الادوار في الدنيا والأخرة فيه عدل إلهي لا يظلم فيه أحد.

وبالرغم من ذلك فنجد من رحمة الله على خلقة ان قدم الحجج القوية التي خاطب بها المشركين والمطففين والمكذبين بعدة مواضع في السورة، فقد قدمت تنظيم إقتصادي وإجتماعي عادل ، ووضحت السورة ان في كل جزاء سيلاقيه سواء من المؤمنين او المشركين ، ماهو إلا نتيجة ما قدموه في الدنيا وهذا ما يقدم حجة واضحة او دليل قاطع على ظرورة الإلتزام بالتعليمات الربانية للفوز بالنعيم وتجنب العذاب الأليم يوم القيامة ، وتقديم الحجة الصريحة موجبة للإلزام ومخالفة الامر بعد الحجة الصحيحة التي لا تقبل حجة اقوى منها ، جريمة موجبة للعقاب ، فالحجة والبلاغة متكاملان او متداخلان فنجد كل منهم يعطي الاخر قوة في الوصول للهدف النهائي لهما.

تظهر التربية الخلقية في الإستنكار من حال المطففين الذين لا يوفون الناس وزنهم بالرغم من انهم يؤخذون حقهم كامل من الناس، وهذا امر في غاية القبح ان يعاملوا الناس عكس ما يعاملونهم به، والوعيد بالويل هو إنذار لهم للكف عن هذا الامر ، واعادة الحقوق لأهلها ، او تجنب الوقوع في تلك الجريمة الغير اخلاقية والتي تؤثر في المجتمع.

المصادر

  • الطيب رزقـي. (2017م). البينة الحجاجية في كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان. جامعة الإخوة منتوري - قسنطينة.
  • المكتبة الشاملة الحديثة. (1418هـ). دراسة وتفسير سورة المطففين. تأليف د وهبة بن مصطفى الزحيلي، التفسير المنير للزحيلي. دار الفكر المعاصر - دمشق.
  • سعـد مسعـودي. (2015م). سورة المطففين دراسة تحليلية وموضوعية. جامعـــة الشهيد حمة لخضر الوادي، قسم العلـوم الإنسانية.
  • شيماء محمد كاظم الزبيدي. (2017م). البلاغة والحجاج. تم الاسترداد من جامعة بابل - كلية التربية للعلوم الانسانية: http://www.uobabylon.edu.iq/eprints/pubdoc_12_17624_944.docx
  • عبد الرحمن القماش. (2009م). سورة المطففين. تأليف عبد الرحمن بن محمد القماش، الحاوي في تفسير القرآن الكريم.

[1]  ابن منظور، لسان العرب،دار صادر،بيروت،لبنان:ط 28- 1997 م،مج 2،مادة حجج،ص 27

[2] د.طه عبد الرحمان ، في أصول الحوار وتجديد علم الكلام ، المركز الثقافي العربي ، البيضاء ، المغرب، [ط.3] ، 2007م ، ص.65 .

[3] تعريف و معنى البلاغة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 22/12/2020. بتصرّف.

[4] علي الجارم، مصفى أمين (2008)، البلاغة الواضحة (الطبعة 1)، بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 8. بتصرّف

[5]  الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي /19 218.

[6]  سورة الأنبياء ، الآية 47

[7] معارج التفكر ودقائق التدبر، الميداني ج /15 337- 1/ط 2006 ، دار القلم دمشق