كتاب محاسن الشريعة للامام القفال الشاشي دراسة في موضوع ومنهجية الكتاب

كتاب محاسن الشريعة للامام القفال الشاشي دراسة في موضوع ومنهجية الكتاب
كتاب محاسن الشريعة للامام القفال الشاشي دراسة في موضوع ومنهجية الكتاب

مقدمة

إن الشريعة حكمة ومصلحة وفي أحكامها رحمة للعباد في الدنيا والأخره، وهذا ما أجمعت عليه سائر الأمة الإسلامية وقد أكد على ذلك قوله تعالى ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ فإن في شريعته السماوية واحكامه الربانية رحمة للناس اجمعين. وقيل عن القرطبي في تفسيره "ولا خلاف بين العقلاء أن شرائع الأنبياء قصد بها مصالح الخلق الدينية والدنيوية"[1]

في هذه السطور لن نتحدث عن مقاصد الشريعة ككل بل نختص بالحديث عن الإمام أبو بكر الشاشي وهو أحد أعلام مذهب الإمام الشافعي والمعروف ايضا بـ الإمام القفال الكبير وكتابه المشهور (محاسن الشريعة) الذي أثنى عليه العديد من العلماء والبحاثين في فقه الشريعة الإسلامية ومن بينهم الإمام ابن القيم رحمة الله عليه في كتابه مفتاح دار السعادة، وايضا نقل عنه ابن حجر في الفتح، حيث ان الكتاب كان موجوداً حتى القرن التاسع الهجري في عصر ابن حجر.

في هذا الكتاب يذكر فيه الإمام القفال كثير من مقاصد الشريعة على ترتيب الفقهاء فقد كان الكتاب مقسم إلى مصاحف وكتب وابواب جاوزت المئة والعشرين باب في اصول واحكام الفقه الإسلامي.

فنحن لا نبحث عن بيان مادة محتوى هذا الكتاب بل نتركها للقفال يقول القفال فقد قال في غرضه في تأليف كتابة هذا " في الدلالة على محاسن الشريعة ودخولها في السياسة الفاضلة السمحة، ولصوقها بالعقول السليمة، ووقوع ما نورده من الجواب لمن سأل عن عللها موقع الصواب والحكمة"[2]

المؤلف

الإمام القفال الشاشي إسمه الكامل أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي وعرف ايضا بـ القفال الكبير، وهو من أشهر ائمة المسلمين وأبرز علماء المذهب الشافعي، كان مفسرا وراوي حديث وممن اجتهدوا في علوم الفقه الإسلامي.[3]

ولد الإمام الشاشي سنة 291 للهجرة في اواخر القرن التاسع الميلادي بمدينة الشاش التي كانت معروفة بـ بلاد ما وراء النهر آنذاك، وقد لقب بالقفال الكبير كتتميز بينه وبين الإمام المروزي الذي لقب بـ القفال الصغير وهو أحد شيوخ المذهب الشافعي.

كان له دورا كبير في علم الحديث وطاف العديد من اراضي الإسلام لجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من اقوى الاسانيد الممكنه فقد ذهب إلى خراسان والعراق وبلاد الحرمين والشام وغيرها.

وقد تلقى علمه رحمة الله عليه على ايدي كبار وعظماء مشائخ الإسلام ومنهم إمام الأئمة أبو بكر ابن خزيمة، والإمام الحافظ أبي القاسم البغوي وايضا إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري.

وكان الإمام الجليل أبو عبد الله الحاكم (صاحب المستدرك على الصحيحين) من أشهر تلاميذ الإمام الشاشي وايضا من تلاميذه الإمام الجليل أبو عبد الله ابن منده صاحب كتاب (التوحيد وكتاب الإيمان) وأبو عبد الله السلمي وغيرهم الكثير من أئمة وعلماء المذهب الشافعي.[4]

وكان للإمام القفال الشاشي العديد من المؤلفات في علوم الفقه والحديث والتفسير منها:

  • تفسير كبير للقرآن الكريم.
  • شرح كتاب الرسالة للإمام الشافعي
  • دلائل النبوة
  • محاسن الشريعة
  • أدب القضاء

قضى حياته في طلب العلم والبحث والتفسير حتى مات رحمة الله عليه في عام 365 للهجرة الموافق 976م ودفن في مدينة شاش مسقط رأسه.

قال عنه الإمام المحدث "ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهله"[5]،

 وقيل عنه ايضا "كان إماماً وله مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء وله كتاب حسن في أصول الفقه وله شرح الرسالة، وعنه انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر"[6].

التعريف بالكتاب

يعد كتاب محاسن الشريعة للإمام أبي بكر بن محمد الشاشي من أبرز الكتب الفقهية في مقاصد الشريعة الإسلامية وهو أحد كتب مقاصد الشريعة في فروع الشافعية. والتعريف بهذا الكتاب يتضمن ثلاثة مطالب:

  • موضوع الكتاب والدراسات السابقة لعصر المؤلف
  • منهج المؤلف في كتابه
  • المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في كتابه

موضوع الكتاب والدراسات السابقة لعصر المؤلف

تحدث الإمام القفال الشاشي في كتابه هذا عن علل الشريعة ومقاصدها وبين في كتابه الحكمه من وضع الله لهذه الشريعة واحكامها وتناسق الشريعة مع العقول والواقع.

وفي هذا الكتاب يقدم القفال مقدمة أكد فيها ثلاث قواعد اساسية في مسائل الشريعة الاسلامية ومقاصدها[7]

  • القاعدة الاولى تبين ان استنتاج الحكمة في الكثير من المسائل الفرعية للشريعة متعذرا غير معلوم او ما يسمى بخفاء الحكمة في هذه المسائل. ولسنا مطالبون باستنباط هذه الحكمة او الغاية من تلك المقاصد مع وجوب العمل بها والايمان المطلق بكل ما جاءت به تلك المسائل والاحكام
  • القاعدة الثانية تقول ان الشريعة الإسلامية وضعت احكامها على اساس ان الحكم للاغلب
  • القاعدة الثالثة توضح ان حكم القليل يتبع من حكم الكثير، كما في المسكر قليله وكثيره.

بعد ذلك تحدث هذا الكتاب عن محاسن الشريعة بشكل العموم ثم بدأ الحديث عنها بشكل أكثر تفصيلا وايضاحا. وذكر في كتابه العديد من الامثله والاحكام الإلهيه التي انزلها الخالق عز وجل في شريعته الاسلامية والغرض من تلك الاحكام مستدلا بايات قرآنية وأحاديث صحيحة وبعض من المراجع من كتب ومؤلفات ائمة وعلماء الشريعة ممن سبقوه في علوم الفقه والشريعة الإسلامية ومقاصدها والتي اعتمد عليها في كتابه محاسن الشريعة.[8]

ويعد الإمام الشاشي من اوائل العلماء الذين ألفو في علوم الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية فمن بعده جاء العديد من العلماء وألفو العديد من الكتب التي كان الشاشي مرجع لهم في علوم الشريعة ومقاصدها اما قبل الشاشي فقد كان هنالك بعض من من العلماء والأئمة الذين ألفو في هذا المجال نذكر منهم:[9]

م

اسم الكتاب

المؤلف

تاريخ الوفاة

1

البيان عن أصول الأحكام

أبو العباس أحمد بن عمر بن سُريج

306ه

2

التبصير في معالم الدين

محمد بن جرير الطبري

310ه

3

الصلاة ومقاصدها

أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي

320هـ

4

علل الشرايع

الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي

381هـ

5

الإعلام بمناقب الإسلام

أبو الحسن العامري

381هـ

6

الإبانة عن علل الديانة

أبو الحسن العامري

381هـ

 

منهج المؤلف في كتابه

قام الشاشي بتقسيم كتابه إلى مصاحف وكتب وأبواب، فالكتاب بشكل عام مكون من اربعة مصاحف كالتالي:

  1. المصحف الاول
    في الحديث عن العبادات ومافيها من محاسن ومصلحة للعباد عامة في الدنيا والاخرة ويشمل هذا المصحف العديد من الكتب وكل كتاب منها اشتمل على عدة ابواب، كالتالي:
    • كتاب الطهارة
    • كتاب الصلاة
    • كتاب الجنائز
    • كتاب الصوم
    • كتاب الإعتكاف
    • كتاب الحج
    • كتاب الزكاة
    • كتاب الجهاد
    • كتاب الطعام والشراب
    • كتاب اللباس والزينة
    • كتاب الأيمان والكفارات
  1. المصحف الثاني
    للحديث عن النكاح والطلاق وما يلحق بهما من أحكام وشرائع ومايتقدم عقد النكاح من الأمور الحاله لعقد النكاح فيما ينفرد به الزوج وماتنفرد فيه المرأة، وكذلك مما يجتمعان عليه، وأحكام الأحرار والعبيد والحرائر والدماء، ويحتوي هذا المصحف على كتابين هما:
    • كتاب النكاح
    • كتاب الطلاق ومايلحق به
  1. المصحف الثالث
    للحديث عن النفقات والفرائض والبيوع والوصايا والعتق وما شابهها على وجه القياس والاخذ بالاصل. ويشمل هذا المصحف عدة كتب متفرعة منه كالتالي:
    • كتاب النفقات
    • كتاب الفرائض
    • كتاب البيوع
  1. المصحف الرابع
    تحدث فيه بشكل مفصل عن عن الجنايات والحدود والقضايا والشَّهادات وما يتعلق بها من احكام وامور شرعية، وفي المصحف الاخير هذا قسم الى ثلاثة كتب كالتالي:
    • كتاب الجنايات
    • كتاب الحدود
    • كتاب القضاء والشهادات [10]

المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في كتابه

المصادر التي اعتمد عليها الامام القفال الشاشي في كتابه هذا يصعب تحديدها على وجه الدقة، لأن الإمام القفال لم يصرح بذلك في كتابه بشكل واضح فكان يصرح بقوله: "قال أصحابنا" على وجه الإجمال[11]

اما لو بحثنا فيما اقتبسه من القول والحديث فسنجد ان اعتمد الى حد كبير على مايلي:

  • كتب الإمام الشافعي
    الذي أعتمد بشكل كبير على مؤلفات الامام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي في مواضع وذكر الاحكام، كون الامام القفال الشاشي كان من رواد وأئمة المذهب الشافعي ولهذا كان لمؤلفات ومصادر واقوال الإمام الشافعي النصيب الاكبر في كتاب القفال محاسن الشريعة والاستشهاد بتلك المصادر في مصاحفه وكتبه وابوابه المختلفه حسب المناسبة.
  • صحيح البخاري والإمام مسلم
    اعتمد الامام القفال الشاشي على كتب الإمام البخاري ومسلم عند الإستشهاد بالأحاديث الصحيحة المدونة في كتبهم لما فيها من قوة في الإسناد.
  • شيخ الإسلام الإمام أبو بكر ابن خزيمة
    كانت مؤلفات الإمام ابن خزيمة مهلمة للإمام القفال الشاشي كون الإمام ابوبكر ابن خزيمة من كبار علماء الشافعية وقد اعتمد الشاشي على الاقتباس والاخذ من كتاب صحيح ابن خزيمة في علم الحديث عند الاستدلال بالأحاديث النبوية لما يعرف عن الكتاب من صحة وثقة في إسناده للرواة.
  • إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري
    كان لكتاب تفسير الطبري دورا كبير وهام في الايضاح للإيات القرانية التي استدل بها القفال في مواضيع كتابه المختلفه مع انه لم يصرح بالقول بالاعتماد على هذا المصدر ولكن يتضح ذلك مما اقتبسه من القول والتفسير.
  • الإمام الترمذي
    بشكل عام كان لكتب وروايات الامام الترمذي بصمة هامة في كتاب القفال كونه أحد المشايخ الملهمين للإمام القفال في الكثير من الامور الفقهية والاحكام الشرعية.

الخاتمة

في الختام يمكننا القول ان مقاصد الشريعة الإسلامية من المواضيع المهمة التي يجب علينا فهمها والعمل بها، والإمام القفال الشاشي أكد على ان فهم المقاصد الشرعية يعد شرطا أساسيا تأهيليا لمن أراد أن يجتهد، خلاف لبعض جمهور العلماء الذين يعدو ذلك شرطا تكميليا.

ومما أكد عليه كتاب محاسن الشريعة للقفال الشاشي ان التعرف على مقاصد الشريعة وفهمها هو امر هام وضروري لكافة الناس على الدوام. فإن كانت للمجتهد فضرورتها تكون في استنباط

الأحكام الشرعية وفهم النصوص، وإن كانت لغير المجتهد فضرورتها في معرفة أسرار التشريع والغاية منها.

وما سبق الحديث عنه يمكن إختصاره في ثلاثة نقاط اساسية :

  • مقاصد الشريعة تمثل دورا مهم في استنباط الأحكام الشرعية.
  • تعد مقاصد الشريعة أساس لكل دليل شرعي.
  • مقاصد الشريعة تمثل الدور الاهم في التشريع ووضع القوانين المنظمة لحياة الفرد والجماعة.

[1] الجامع لأحكام القرآن 2/64

[2] محاسن الشريعة في فروع فقه الشافعية

[3] معلومات عن أبو بكر القفال الشاشي على موقع viaf.org

[4] أبو بكر القفال الشاشي من ويكيبيديا

[5] الإمام المحدث أبو عبد الله الحاكم - صاحب المستدرك

[6] الإمام أبو إسحاق الشيرازي - شيخ الشافعية

[7] ترجمة الإمام القفال الشاشي – كتاب سير اعلام النبلاء للذهبي

[8] التعريف بكتاب محاسن الشريعة– ابو عبد الله محمد علي سمك

[9] البحث في مقاصد الشريعة نشأته وتطوره ومستقبله - أ.د أحمد الريسوني

[10] مقدمة تعريفية لكتاب محاسن الشريعة للقفال الشاشي– ص8

[11] محاسن الشريعة دراسة وتحقيق – الباب الثاني / البحث الرابع – ص78