التحكيم بين الزوجين ( الجزء الثالث ) دور التحكيم في الحفاظ على كيان الأسرة

التحكيم بين الزوجين ( الجزء الثالث ) دور التحكيم في الحفاظ على كيان الأسرة
التحكيم بين الزوجين ( الجزء الثالث ) دور التحكيم في الحفاظ على كيان الأسرة

مقدمة

في هذا المقال سيتم الحديث حول دور التحكيم في الحفاظ على كيان الاسرة، حيث يعد من المواضيع الهامة التي اهتمت فيها الشرائع والأنظمة لما يقدمه من دور مهم في الحد من النزاعات والخلاف داخل الاسرة والسعي في الحفاظ على استقرار الاسرة وبدوره يمثل وحدة المجتمع من التمزق والضياع، كون الاسرة تمثل أساس المجتمع.

وحيث ان التحكيم يمثل مطلب مشروع وموضوع مهم فقد تناولته العديد من الدراسات البحثية في بيان أهميته في حل النزاعات وانهاء الشقاق بين الزوجين والحفاظ على وحدة الاسرة واستقرارها وتحقيق الوحدة الاجتماعية.

دور التحكيم في معالجة الزوجية

تعد الاسرة الركن الأساسي والأول في المجتمع، لما تمثله من دور مهم في نموه وازدهاره وتقدمه، وللأهمية الكبيرة للأسرة فقد استوجب ذلك السعي في الحفاظ على الاسرة مستقرة وخالية من النزاعات التي قد تؤثر بها بشكل يعود على المجتمع بنتائج سلبية، ولذلك فقد اهتمت الشرائع والقوانين بترتيب آليات ومعايير تسعى في الحد من أي نزاعات قد تحدث داخل الاسرة، ويعد التحكيم بين الزوجين من جملة تلك الإجراءات التي حددتها الشريعة والأنظمة والقوانين المحلية، والتحكيم يلعب دور هام في إنجاح الصلح بين الزوجين بالطرق والوسائل المشروعة والخاضعة لرغبة كل من طرفي الخلاف.

ومن القضايا التي يبدأ درو التحكيم في الصلح فيها ما يلي:

  • الشقاق بين الزوجين

ساهمت الأنظمة والقوانين المحلية في دولة الامارات العربية المتحدة في التركيز على الاسرة والاهتمام بها، كونها اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، ومن جملة اهتمام الأنظمة المحلية في السعي لحل الشقاق بين الزوجين من خلال اصدار قوانين تعمل على تنظيم ذلك، كما تساهم في البحث عن الحلول المنطقية والفعالة وتقديمها من اجل انهاء الشقاق بين الزوجين، حيث وقد تم تخصيص قانون الأحوال الشخصية في الامارات العربية المتحدة، حيث ركز القانون على مختلف الاحكام المتعلقة بشؤون الاسرة ومن ضمنها المسائل المتعلقة بـ الصلح بين الزوجين، وكذلك مسائل التفريق بين الزوجين كما نلاحظه في الباب الثالث من قانون الأحوال الشخصية الاماراتي رقم 24 للعام 2005، والذي ينص على مشروعية الفسخ وانهاء الزواج لعدة مسببات، حيث وقد اشارت المادتين 112 و 113 في قانون الأحوال الشخصية في قضية وجود علية في حد الزوجين تحيل دون استمرار العلاقة الزوجية بينهما محددة عدد من الحالات التي تمثل العلة في فسخ الزواج، كما حددت شروط قبول حكم التفريق القضائي او رفضه في نص المادة 118 وغيرها من  الشروط في الصلح والتفريق المحددة في نص المواد القانونية لدولة الامارات العربية المتحدة.

  • النشوز بين الزوجين

حيث وقد اهتمت القوانين والأنظمة المحلية لدولة الامارات العربية المتحدة بالمسائل المتعلقة بالنشوز بين الزوجين، وتحديد حالة النشوز بين الزوجين كـ مخالفة الزوجة للشروط المحددة في قانون الأحوال الشخصية الاماراتي التي تنص على الحقوق الزوجية ومسـائل الإصلاح والتفريق بين الزوجين، حيث تنص المادة 71 من نفس القانون على حالة سقوط شرط النفقة على الزوجة في حالة ثبت النشوز قضائياً.

  • الطلاق بين الزوجين

وقد أولت القوانين والأنظمة المحلية لدولة الامارات اهتمام كبير حول هذه المسألة، من خلال المواد القانونية المتعلقة بهذه القضية، حيث يعرف الطلاق في نوعين، إما طلاق رجعي او طلاق بائن.

وكما حددت المادة 104 من قانون الأحوال الشخصية الاماراتي في نصها على تعري الطلاق الرجعي بأنه الطلاق الذي لا ينهي العلاقة الزوجية حتى انتهاء العدة الشرعية، والسعي خلال تلك الفترة في التحكيم والصلح بين الزوجين.

وفي هذه الحالة من الطلاق حين يطلق الزوج زوجته طلقة او طلقات فله الحق في الارجاع خلال الفترة المحددة شرعاً، وبعد انقضاء الفترة الشرعية ينتهي عقد الزواج او في حال اصدار الطلقة الثالثة كذلك يبطل عقد الزواج، ولا يكون الارجاع او الصلح الا بالتراضي من الطرفين وفق شروط محددة.

وقد حددت المادة رقم 117 من نفس القانون انه يحق لكل طرف من عقد الزواج بطلب الطلاق في حال تعذر استمرار العلاقة بينهما، لاي سبب متاح شرعا وقانوناً، وفي هذه الحالة فإن الطلاق يستوجب تصديقه من المحكمة المختصة بشؤون الاسرة، وقبل ذلك تسعى المحكمة وفق لجنة مختصة للإصلاح بين الزوجين قبل اصدار حكم الطلاق النهائي.

ومن مهام الحكمين في الإصلاح بين الزوجين يمكن تصنيفه في قسمين كما يلي:

  • أولاً: في الإصلاح بين الزوجين:

يتمثل دور الحكمين بشكل أساسي في الإصلاح بين الزوجين وانهاء الشقاق بينهما، ويتم ذلك من خلال البحث حول الأمور التي تسببت بتلك المشكلة، والعمل على معالجتها وانهاء أسباب النزاع بين الزوجين بشكل كامل، وتتم هذه المهمة من خلال عدد من الخطوات كما يلي:

  • التعرف على مسببات الخلاف والشقاق بين الزوجين، كون الحل للمشكلة يأتي من العودة إلى أسباب ظهورها، حتى وان كان السبب لا يذكر او منذ وقت طويل، فالسبب هو مفتاح الحل.
  • ان يجتمع الحكمين بالمحكمين على انفراد للبحث عن أسباب الشقاق وسماع كل من صاحبه، وبعد ذلك يجتمع الحكمين مع بعضهما ومناقشة ما استمعا اليه والبحث في معرفة السبب الأساسي للمشكلة دون تحيز لاي طرف.
  • الخطوة الأخيرة تتمثل في العمل على إيجاد حلول للمشكلة وتحقيق الصلح بين الزوجين، من خلال العديد من الوسائل التي تخاطب العقل والمشاعر والتي تساهم في تحقيق الصلح المرجو بين الزوجين والحفاظ على كيان الاسرة واستقرارها.
  • ثانياً: في التفريق بين الزوجين:

في حالة لم يتوصل الحكمين لحل في الخلاف بين الزوجين، وفشلت كل محاولات الصلح بينهما، وكان لابد من انهاء العلاقة بينهما، ففي هذه الحالة فإن التفريق بينهما جائز، ولكن يجب اتباع الطريقة الصحيحة المشروعة والقانونية التي لا يترتب عليها أي إشكاليات مستقبلية، وفي هذه الحالة يسعى الحكمين في التفريق بين الزوجين في حالتين وهما:

  • في حال كان الحكمين لا يمتلكان السلطة المطلقة في التفريق بين الزوجين، فيجب العودة الى الموكل وصاحب الشأن (الزوجين) للأخذ بالإذن ذلك من خلال إقرار قانوني مقبول، ويرى أصحاب هذا الرأي ان الحكمين يمثلان دور الوكيلين، ويطبق عليهما شروط الوكالة واحكامها.
  • الحالة الأخرى ان يكون لكلا الحكمين الصلاحيات الكاملة في إقرار التفريق بين الزوجين دون العودة للأخذ برأيهما في الامر، كون الحكمين في هذه الحالة يمثلان دور قضائي، والحاكم لا يعود بالأخذ بالرأي في اصدار احكامه.

علاقة التحكيم في التوجيه الاسري

يتميز المجتمع بشكل خاص عن غيره من المجتمعات في مدى تماسك المؤسسات الاجتماعية فيه ونعني بتلك المؤسسات الاسرة على وجه التحديد، وأيضا معدل الترابط الاجتماعي بين افراد المجتمع.

ومن خلال المتابعة للوضع مؤخراً، نجد تفاقم الازمات الاجتماعية والمشاكل الاسرية التي تزعزع امن واستقرار المجتمع، وقد تلحق بتفكك المجتمع وانهياره نتيجة تلك المشكلات، ومن المرجح ان يعود السبب في ذلك الى عدة عوامل منها ضعف الوازع الديني، او الانهيار الأخلاقي لبعض افراد المجتمع وعدم الوعي بأهمية التماسك والسعي في تحقيق وحدة المجتمع وامنه واستقراره الداخلي، كذلك يمكن ان يعود السبب في ذلك الى ضعف القوانين والتشريعات التي تنظم كافة الأمور المتعلقة بشؤون الاسرة والمجتمع، والإجراءات القضائية للحد من المشكلات التي تتسبب في تفكك الاسرة وانهيار المجتمع.

ومع التغيرات الاجتماعية نتيجة التطور في وسائل الاعلام والانترنت، التي جعلت العالم قرية صغيره، نجد ان المجتمعات المختلفة لم تكن بعيدة عن ذلك، ونجد ان المجتمع الاماراتي احدى تلك المجتمعات التي يزداد القلق نتيجة تلك التغيرات الاجتماعية مما قد تتسبب فيه من مشكلات اجتماعية تؤدي الى تفكك الاسرة والمجتمع، كـ حالات الطلاق المتزايدة والشقاق بين الزوجين، كذلك العنف الاسري وعدد من قضايا الاسرة.

ولذلك فقد كان من الضروري السعي في اعداد لجان خاصة ومرجعيات تسعى في تقديم خدمات الإرشاد والتوجيه الاسري للحد من تلك المشاكل، وذلك وفق أسس شرعية وقانونية تراعي المصلحة العامة وكافة النواحي الاجتماعية والشرعية وغيرها.

حيث يعد الارشاد الاسري من المجالات المهمة وذات الاختصاص الدقيق، حيث وقد لاقى اهتمام واسع لما له من ارتباط بالعديد من التخصصات العلمية، كـ المجال الاجتماعي والنفسي والإنساني، ولذلك فقد تطور هذا المفهوم بشكل سريع وانشأت مراكز خاصة بالتوجيه الاسري ولجان خاصة تسعى في تحقيق الامن والاستقرار داخل المجتمع.[1]

وفي العام 1998م تم انشاء قسم خاص عرف بـ قسم التوجيه الاسري وهو تابع للدائرة القضائية في دولة الامارات العربية المتحدة، ويهدف هذا المركز الى وحدة المجتمع وحل الخلافات الاسرية والسعي في تحقيق امن واستقرار الاسرة وحل كافة اشكال الخلافات الاسرية من خلال العديد من الوسائل.

ويتمثل التحكيم احدى الوسائل الأساسية التي تسعى لجان التوجيه الاسري في حل النزاعات داخل الاسرة، حيث تقوم تلك الجهات بإرسال لجان مختصة للتحكيم وعقد اتفاق أسري يسعى في تحقيق الصلح الاسري وإنها النزاع من خلال طرح بعض الحلول المرضية.[2]

ومما سبق يتضح ان التوجيه الاسري يعتمد بشكل كبير على التحكيم الاسري في حل قضايا الاسرة وانهاء النزاع واسبابه، من اجل تحقيق امن واستقرار المجتمع، كون التحكيم بشكل عام يمثل الحل الأمثل للحد من النزاعات دون تفكك الاسرة وكذلك بالتوافق المرضي بين الأطراف.

الخاتمة

من خلال ما سبق الحديث عنه، نجد انه قد ركز في دراسة أحد المواضيع الهامة والتي لها دور كبير في الحفاظ على الاسرة من التفكك والضياع كونها أساس المجتمع، وهو دور التحكيم في الحفاظ على كيان الاسرة، حيث اكدت الشريعة الإسلامية أهمية التحكيم ودورة الكبير في الصلح داخل الاسرة وانهاء النزاع واسبابه، قبل اللجوء للقضاء والتفرقة بين الزوجين، كما اكدت القوانين المحلية على أهمية التحكيم، ووضعت الضوابط والقوانين التي تنظم هذه العملية.

كذلك تطرقت الدراسة للتعريف بمفهوم الاسرة والتعرف على أهميتها والتحكيم في الاسرة من مشروعيته واحكامه، وكذلك النظر في اختيار المحكمين وشروطهم، ومن النتائج الأساسية التي توصلت لها هذه الدراسة:

  • ان التحكيم بين الزوجين أهمية كبيرة وضرورة في الحفاظ على كيان الاسرة من خلال السعي في انهاء أي نزاع بين الزوجين، كون الاسرة أساس تماسك المجتمع ووحدته.
  • كما ان التحكيم داخل الاسرة ينعقد وفق شروط يجب توافرها في المحكمين من اجل نجاح هذه العملية في الحفاظ على الاسرة وانهاء النزاع وأسبابه.
  • اهتمت الشريعة الإسلامية والأنظمة المحلية في بيان مشروعية التحكيم داخل الاسرة.

المراجع

ياسر بن مصطفى الشلبي . (2020م). واقع الإرشاد الأسري في مراكز وجمعيات الإصلاح الاجتماعي. المجلة الدولية للعلوم التربوية والنفسية IJEPS، 89.

إبراهيم بن علي بن محمد، ابن فرحون. (1406هـ ). تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام. القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية.

ابن عابدين، محمد أمين. (1412هـ). رد المحتار على الدر المختار. بيروت: دار الفكر.

أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي. (1384هـ). الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي). القاهرة: دار الكتب المصرية.

أبو محمد علي بن أحمد بن حزم. (بلا تاريخ). المحلى بالآثار. بيروت: دار الفكر.

أبو محمد موفق الدين عبد الله بن قدامة. (1388هـ). المغني لابن قدامة . القاهرة: مكتبة القاهرة.

أحمد رضا. (1380هـ). معجم متن اللغة. بيروت: دار مكتبة الحياة.

الدكتور مصطفى حجازي. (2011). واقع الإرشاد الأسري ومتطلباته في دول مجلس التعاون. سلسلة الدراسات الاجتماعية. تم الاسترداد من الدكتور مصطفى حجازي .

القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي. (1424هـ). أحكام القرآن. بيروت: دار الكتب العلمية.

أيوب. (2020). التوجيه الأسري في الإمارات. تم الاسترداد من ماي بيوت: https://www.bayut.com/mybayut/ar/التوجيه-الاسري/

د محمد سليمان النور. (2011م). التحكيم بين الزوجين في الفقه الاسلامي وقانون الاحوال الشخصية الاماراتي. كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة، 32.

عبداللطيف صبحي جمعة. (2016). قانون الأحوال الشخصية في دولة الإمارات العربية المتحدة (القانون الاتحادي رقم 28 لسنة 2005م). دبي: دار النهضة العربية.

علي بن محمد بن حبيب الماوردي. (1392هـ). أدب القاضي. بغداد: مطبعة الإرشاد.

مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير. (1399هـ). النهاية في غريب الحديث. بيروت: المكتبة العلمية.

محمد بن علي الشوكاني. (1414هـ). فتح القدير. بيروت: دار ابن كثير.

معهد دبي القضائي. (2017). قانون الأحوال الشخصية لدولة الإمارات العربية المتحدة. دبي: معهد دبي القضائي.

معهد دبي القضائي. (2022م). قانون الإجراءات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة وفقا لأحدث التعديلات بالمرسوم بقانون اتحادي رقم 15 لسنة 2021 واللائحة التنظيمية المعدلة بالقرار رقم 75 لسنة 2021. دبي: معهد دبي القضائي.

وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية. (1988م). الموسوعة الفقهية الكويتية. الكويت: وزارة الأوقاف الكويتية.

[1] ياسر الشلبي، واقع الارشاد الاسري في مراكز وجمعيات الإصلاح الاجتماعي، 2013

[2] مقال بعنوان لتوجيه الأسري في الإمارات، أيوب، ماي بيوت