سورة المدثر: دراسة في الاساليب البلاغية ودلالتها في التعبير القرآني

سورة المدثر: دراسة في الاساليب البلاغية ودلالتها في التعبير القرآني
سورة المدثر: دراسة في الاساليب البلاغية ودلالتها في التعبير القرآني

المقدمة

في الخطاب القرآني تتعدد الأساليب البلاغية التي تمتاز باللغة القوية والفصاحة والوضوح وتعدد أساليب البلاغة في الحوارات المختلفه لإيصال المعنى بدقة ووضوح وترسيخ معانية في نفس المتلقي ، ولأهمية هذين الأسلوبين في إثراء المعاني لغة وقوة ، فلم يخلو النص القرآني من هذين الأسلوبين البلاغيين في طرح الحجج في الحوارات المختلفه وإستعمال الأساليب البلاغية المختلفه.

في البداية نتطرق للتعرف على مفهوم البلاغة لغتاً وإصطلاحاً وكذلك مفهوم الحجاج ، لكي نصل إلى معرفة العلاقة بينهما وكيف يثري إستعمالهما في المعاني والحوارات المختلفة لإيصال المعلومة وإستيعابها لدى المتلقي.

تعرف البلاغة في اللغة على انها إسم مشتق من مصدروزنه فعل وهو بلغ والبلوغ بمعنى الوصول وكذلك الإبلاغ بمعنى الإيصال ، فيتضح ان مفهوم البلاغة في اصله يعود إلى إيصال الشي بشكلة الصحيح من الخطيب إلى المخاطب او المتلقي ، وتعتمد البلاغة على إيصال المعلومة من خلال الأساليب الاوضح والطرق الافضل في التعبير والإستعمال ، التي تحمل قوة في المعنى وإنسجام تام مع الحدث الذي يدور حوله الحوار او موضوع الحوار الحاصل[1]

اما في تعريف البلاغة إصطلاحاً فمعناه إستعمال اجل المعاني والمفردات واوضح العبارات الصحيحة والصريحة بفصاحة في القول ودقة في المعنى وبلغة سليمة ، وان لا يخرج معناه عن نطاق الحوار وموضوعة ، وذلك حتى تترك الأثر والإنطباع المؤثر لدى المستمع بشكل يجعله يفهم بدقة موضوع الحديث ومغزاه الاساسي والعمل بما فيه قناعة منه لا إكراه ، حيث تمثل البلاغة إحدى فنون اللغة التي تعني بالتمييز في دقة المعاني وجمال المفردات وتفاصيل الحديث[2]

وفي الجانب الأخر نجد ان الحجاج يعرف لغة على انه إسم مشتق من الحجة ، وهي الدليل او البرهان ، فـ حاجج تعني برهن على امر واعطى الدلائل فيه ، والمحاججة تأتي في سبيل الإشادة بأمر والبرهنة عليه مع القبول بأسلوب يقبل الإعتراض عليه من خلال طرح حجة او دليل اقوى من الحجة السابقة ، ويأتي الحجاج في سبيل فرض رأي او الدفاع عنه في مسألة ما ، او الإعتراض على رأي آخر من خلال تقديم الحجج القوية الدالة على صحة المسألة او نفيها.[3]

ويعرف الحجاج في الإصطلاح على انه تقديم الدلائل والبراهين على امر ما دفاعاً عن ذلك الرأي بحيث انه يترك إنطباع لدى المستقبل يؤثر في سلوكة وتوجهه او رأية حول تلك المسألة ، وقد جاء في تعريف الجرجاني للحجاج على ان الحجة كل ما استدل بها على صحة  دعوى او رأي ما والحجة هي بمعنى الدليل[4] ، وقال الكفوي في الحجة انها ما اثبت به دعوى لغل الخصم في رأي سمي حجة ، وما اثبت به دعوى لإفادة البيان سميت بينة فالحجة ما يغلب به وليس كل ماقدم ليثبت به[5]

وعند النظر في التعريفين السابقين للبلاغة والحجاج ، نجد انهما يحملان صفات مشتركة في الإعتماد على وسائل معينة في إيصال المعنى وهو الغرض الأساسي منهما ، ويرى البعض ان العلاقة بين الحجاج والبلاغة علاقة جزء من كل فنجد ظهور نوع جديد من البلاغة تسمى البلاغة الحجاجية ، واخرون يرون ان العلاقة تكاملية من خلال الاخذ بالأمثلة من الحوارات القرآنية ، فنجد ان الأساليب البلاغية تتكامل مع طرح الحجج القوية لإثبات معنى والدفاع عنه ، وبشكل عام يمكن ملاحظة وجود علاقة بينهما تسعى في إثبات امر ونفي اخر من خلال إستعمال هذين الأسلوبين بشكل صحيح.

وفي هذا المقال سنتطرق للنظر في الأساليب البلاغية والشواهد الحجاجية في تفسير سورة المدثر بأسلوب يظهر الصور البلاغية والحجاج الموضوعة في سياق آيات هذه السورة.

عن سورة المدثر

سورة المدثر هي إحدى السور القرآنية المنزلة في مكة ، لذلك فهي سورة مكية عدد آياتها ستة وخمسون ، وترتيبها في المصحف الرابعة والسبعون ، سميت بالمتدثر نسبة لسبب نزولها وهو حين اعتزل النبي عليه الصلاة والسلام في غار حراء شهراً وعند عودته إلى منزله سمع صوت جبريل يناديه فرفع رأسته ينظر حتى رأى جبريل عليه السلام على كرسي عرشه يخاطبه فكاد النبي يغشى عليه من الخوف ، وذهب إلى بيته يرتجف خوفا مما رأى وقال لزوجته خديجة رضي الله عنها دثروني دثروني اي بمعنى غطوني[6] ، فأنزل الله سورة المدثر ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ وهذه السورة هي بداية انتداب النبي للدعوة في سبيل الله ، وبعدها توالى الوحي بالنزول على النبي وتعليمه القرآن وتعاليم دينه ليبلغها للناس.

الخطاب المباشر في الآيات 1 إلى 10

قال تعالى في سورة المدثر ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ(10)﴾ [سورة المدثر 1 - 10]

في بداية هذه الآيات تمثل خطاب مباشر من الله سبحانه وتعالى إلى نبيه محمد عليه افضل الصلاة وازكى التسليم بواسطة الوحي المنزل عليه ، وهذه الآيات تحمل تعاليم ربانية له بإنتدابه لتبليغ الرساله المنزله عليه ، حيث إبتدأت الآيات بصيغة الندأ ولكن دون التصريح بإسم النبي ، بل نعته بصفة فيه ذلك الوقت يا آيها المدثر اي المتحلف او المتغطي كنايتة عن الحالة الخوف التي كان فيها الرسول من رؤية جبريل عليه السلام ، ومن ثم تتوالى الآيات في طرح تعاليم ربانية بصيغة الآمر من الله لنبيه ، في قوله قم فأنذر ، خطاب صريح بالأمر بتبليغ الرسالة وإنذار الناس كافة ، ليمثل حجة على الناس يوم القيامة في الحساب والجزاء فقد انزل الله عليهم نبي يعلمهم امور دينهم ، فلا حجة لهم بعد ذلك.

وهذا الندا الرباني مثل الإلزام والتكليف في اللفظ والمعنى ، فقد استخدم اسلوب صالح للقرب والبعد في الحوار ، ولكن المراد بهذا التعبير في النداء بالقرب من خلال السياق القرآني الواضح[7] ، بعد ذلك تدرج في الاسلوب الإنشائي حتى طرح الاوامر الموجهة للنبي عليه السلام في قوله قم ، فأنذر ، فكبر ، فطهر ، فأهجر .. كل تلك دلالات من الله سبحانه وتعالى إلى نبيه بالإستعداد لحمل الرسالة وتبليغ الناس ، ومن خلال الآيات تتضح الاساليب البلاغية في صيغة الامر الدالة على غرض آلهي من باب الوجوب.

والإنذار الذي ابتدأت به الآيات يحمل جميع معاني التنبية والتحذير بما يضع حجة قوية على الناس في اتباع تعاليم الدين والتصديق بكل ما جاء به النبي عن ربه من ايات ودلائل دون تشكيك ، فتلك حجة موجبه للإيمان ومخالفتها إستحقاق لعذاب الله يوم القيامة ، كون الحجة منزله في الدنيا فلا حجة لهم يوم القيامة ، كما في قوله تعالى (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) أي اذا نفخ في الصور وهذا علامة على قيام الساعة حينها فإن ذلك اليوم عسير على الكافرين.

وتشبيه النفخ بالصور بالنقر اسلوب بلاغي قوي يمنح الجمله معنى اقوى ليصف هول ذلك اليوم والصوت الذي ينقر الأذن اشد من الصوت الذي تسمعه الأذن [8] ، ووصف ذلك اليوم بالعسير لشدة مافيه من اهوال ومصائب على الناس ، ولكن الله يهونه على المؤمنين رحمة منه ، أما الكافرين فقد اشار إليهم الله انه غير يسير عليهم في قوله (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) اي انهم سيعانون من ويلات ذلك اليوم ومافيه من فزع ، وبعدها يساقون لأشد العذاب جزاء بما قدمت ايديهم في الدنيا وقد انزل الله عليهم الحجة القاطعه.

ونجد فيما سبق اساليب بلاغية متنوعة تزيد من قوة المعنى وتجذب انتباه المستمع والتركيز لما فيه من توجيهات وحوارات لتتمثل في سلوكياته بعد ان استوعب مافيها من معاني.

إحدى مشاهد المكذبين الآيات 11 إلى 31

قال تعالى ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)﴾ [المدثر 11 - 31]

في الآيات السابقة تعرض قصة أحد المكذبين وهو الوليد بن المغيرة ، وتدور قصتة بإختصار كالتالي ، كان الوليد ابن المغيرة احد زعما قومه وفي احدى الأيام مر بجانب النبي ﷺ وهو يصلي في مكة ويتلوا القرآن ، فأستمع للنبي وحين رجع إلى قومه اخبرهم انه استمع لمحمد يقول كلاماً مؤثراً ليس بكلام بشر ولا جن يقوله ، وماهو بشعر او سحر ولا هذي مجنون او واهم ، واقسم قائلاً إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، والطلاوة تعني كل حسن او رونق ، واتبع حديثه إن اعلاه لمثمر واسفله لمغدق ، وان ماسمعه ليعلوا ولا شي يعلى عليه ، بعدها قالت قريش ان الوليد ترك جين اباءه واجداده وقد آمن بدين محمد ، فرجع الوليد عما قاله سابقا ، فذم الرسول عليه الصلاة والسلام باشنع الكلمات والصفات ، وقال عنه شاعر اومجنون ، وساحر يفرق بين المرء وزوجه والاب وابنه ، وما قال الوليد ذلك الكلام إلا ليرضي قومة ويعود عما قاله سابقاً ، تكبراً وغرور.

فزلت عليه هذه الآيات تتوعده بالعذاب الأليم لتكذيبه وافتراءه بالقول على النبي ، فأنزل الله ايات صريحة بالغضب لما قاله الوليد ، فقد اشار الله إلى ما اعطاه من نعم من خلق ثم بسط عليه الرزق والأولاد وتيسير سبل العيش عليه ، فهل يطمع بعد كل ذلك ان ازيد له في النعم بعد ان كذب وافترى على الله بالكذب ؟

تلك الايات فيها دلاله بلاغية على ما امد الله على الوليد من نعم في الدنيا وهي حجة عليه ليؤمن بالله فإن كفر فقد جاء الرد من الله في قوله ، (كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا) فلن ازيد له في الرزق بعد ان كذب باياتنا ، وبدلا عن ذلك فسيرهقه الله في مشقة العذاب في الدنيا والأخرة والتي تزداد عليه من التعب وانعدام الراحة بإزدياد لما كذب به ، والسبب في ذلك يصفه الله في اسلوب بلاغي يعطي مبرر وحجة لما سيقيم الله عليه من العذاب ، فقد وضع الله السبب او الحجه في ذلك الامر في وصفه حال الوليد بن المغيره في الآيات 18 إلى 25 والتي تصف الحالة التي تمرس بها الوليد بن المغيرة في تكبره وطعنه في القرآن الكريم عمداً وعدواناً واستكباراً.

بعدها جاء الجواب الذي حدد الله فيه جزاء المكذبين والطاعنين في القرآن الكريم ، موجها خطاب عام يشير فيه بحال الوليد بن المغيرة واي مكذب اخر منكر للقرآن وطاعن فيه ، فقال تعالى سأصليه سقر ، وهذا الوعد والتهديد يحمل دلالة بلاغية على حقيقة حدوث هذا الامر ، وسقر إسم لجهنم ، بعدها يأتي اسلوب بلاغي اخر فيه سؤال للناس عن عدم إدراكهم بحقيقة جهنم والعذاب الذي سيلقاه المجرمون فيها ، فأوضح الله تلك التساؤلات بالآيات 28 – 30 ، فهي لا تبقي ولا تذر كناية عن شدة العذاب الذي لا يفرق بين احد ممن دخلها فيسحق الجميع وكل اية تدل على الانتقال من حال إلا حال وتصاعد شدة العذاب في جهنم فهي محرقة للجلود البشرية [9] ، ويتناوب عليها تسعة عشر من الملائكة الشداد في عذاب المجرمين ولايعلم جنود ربك إلا هو ، والحجة في السياق ان النار تذكرة للناس في اختيار مصيرهم وتجنب الوقوع في المعاصي كتحذير للناس.

سؤال المؤمنين عن المجرمين يوم القيامة الآيات 32 إلى آخر السورة

قال تعالى ﴿ كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)﴾ [سورة المدثر 32 - 56]

في هذه الآيات تصف حال المؤمنين والكفار يوم القيامة وحالة الندم لدى الكفار في اعترافهم بذنوبهم واستحقاقهم العذاب ، فيبتدأ الحديث بالقسم ثلاث مرات وهذا الامر دليل على عظمة الأمر الذي يدور حوله الحوار ، والقسم يصف جهنم والمصير الموحش الذي يترقب الكفار جزاء لما قدمت ايديهم في الدنيا وتكذيبهم باليوم الاخر وافتراءهم على الله ورسوله بالكذب والتهم الباطلة ، وهذا القسم على امر جهنم وصدقها دليل قاطع او حجة واضحة مقدمة للناس حتى يستعدوا للقاء ربهم.

وبعدها يصف حال كل نفس بما قدمت في دنياها ويضع مقارنة بين حال كل من المؤمنين والكفار يوم القيامة ، بأسلوب بلاغي جميل يحدث حوار بين المؤمنين والكفار  فيسأل المؤمنون عن حال المجرمين ومالذي اودى بهم في جهنم ، والفريق الاخر يجيب باعترافه بإنهزام وذل عن السبب في إستحقاق العذاب[10] ، ليقدم هذا الحوار صوره بلاغية عظيمة تجعل المستمع يصغي بوضوع ويركز في كل كلمة في الحوار الحاصل.

الخاتمة

مما سبق نجد ان سورة المدثر شملت ثلاثة محاور وهي إنزال الرسالة على النبي واصدار الاوامر له بإبلاغ الناس وتعليمهم امور دينهم ، وهذ المحور الاول والاهم في جعل الحجة على الناس في الدنيا حتى لا يكون لهم حجة يوم القيامة بعد ما انزل عليهم ، والمحور الثاني يروي قصة الوليد بن المغيره وافتراءه على النبي بالكذب والتقول عليه باشنع الصفات ليرضي قومه بالرغم مما اعطاه الله من الرزق والخير ، إلا انه استحق بذلك الفعل العذاب الشديد في الدنيا والأخرة ، والمحور الثالث يتحدث عن حال المؤمنين والكفار يوم القيامة والحوار الذي تم حين يتسائل المؤمنين عن حال المجرمين ومالذي اودى بهم في جهنم ، والاخر يجيب ويعترف بما قدم وجعله مستحق للعذاب الشديد.

وفي الثلاثة المحاور السابقة صور بلاغية زادت في المعنى وضوح وايصاله للناس بشكل افضل ، وكذلك احتواء السورة على عدة صور حجاجية تمنح السياق قوة في المعنى وإقناع في الرأي على الموضوع ، وفي الختام نرى ان القرآن الكريم استخدم تلك الاساليب البلاغية واساليب البلاغة الحجاجية في ايصال الموضوع للناس واستيعابه والعمل وفقه بالشكل الصحيح الذي اراده المولى عز وجل.


[1] تعريف ومعنى البلاغة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي

[2] د.محمد أحمد قاسم ، د.محيي الدين ديب (2003م) ، علوم البلاغة

[3] أبو الزهراء ، دروس الحجاج الفلسفي (2008م) ، مجلة الشبكة التربوية الشاملة

[4] علي بن محمد بن علي الجرجاني ، التعريفات ، دار الكتاب العربي – بيروت

[5] الكفوي ، الكليات ، ص 406

[6] الواحدي (1412هـ) ، أسباب نزول القرآن ، الدمام – دار الإصلاح

[7] البقاعي ، نظم الدرر ، ٤٠

[8] سيد قطب ، في ظلال القرآن

[9] الألوسي ، روح المعاني

[10] الأندلسي ، أبو حيان ، البحر المحيط