قواعد الاحكام في مصالح الانام لـ العز بن عبد السلام التعريف والمنهجية

قواعد الاحكام في مصالح الانام لـ العز بن عبد السلام التعريف والمنهجية
قواعد الاحكام في مصالح الانام لـ العز بن عبد السلام التعريف والمنهجية

المقدمة

يعد دراسة وفهم مقاصد الله في شرعة من الامور الفقهية الهامة التي شغلت كبار علماء الأمة وائمة المسلمين الذين بحثو فيها وألفو في ذلك العديد من الكتب والمؤلفات على مر العصور. حتى أصبح هذا الموضوع معروفا كعلم مستقل في اصول الفقه يعرف بعلم المقاصد. وهو علم يعتني بدراسة المصالح والحكم التي شرعت من اجلها الأحكام.

والله سبحانة وتعالى أنزل الكتب وأرسل الأنبياء والرسل مبشرين ومنذرين لأسمى الغايات والمقاصد، فالله تعالى هو الحق وشرعه العدل وهو أعلم بما يصلحنا من أنفسنا واعلم بما فيه فساد لنا ومايضرنا فهو الحكيم الذي يضع الأشياء في مكانها الصحيح ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [1]

وتعريف المقاصد في اللغة[2] إتيان الشيء أو قصده أي نحا نحوه والقصد مايأتي بهينة السير ومنه قوله تعالى ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾[3]

اما في تعريف مقاصد الشريعة اصطلاحا فإنه لم يورد في الكثير من كتب الفقه واصوله ولم يذكر الكثير من علماء الامة الذين اهتمو في هذا العلم اي تعريف صريح عن معنى المقاصد.

ولكن الشاطبي رحمة الله عليه عرفها بقوله "ومقاصد الشرع هي المصالح التي تعود إلى العباد في دنياهم وأخراهم سواء أكان تحصيلها عن طريق جلب المنافع أو عن طريق دفع المضار"[4]

ومثال على ماسبق في ماجاء في القصاص من القاتل فإن الله عز وجل ذكر المقصد في ذلك وهو الحفاظ على حياة الناس وعدم تفشي القتل وازهاق الأنفس بدون حق فالقصاص من القاتل حياة لحياة الأخرين. قال تعالى ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[5]. وغيرها من الاحكام التشريعية والمصالح العامة من تلك التشاريع في حياة الناس كافة.

وبعض علماء الفقه فقد قسموا هذه المقاصد إلى ثلاثة أقسام تنظم فيها العلل والمقاصد في أمور الدين والدنيا من جلب مصلحة أو درء مفسدة.

فهنالك مقاصد ضرورية وهي التي يكون الأخذ بها ضرورة لجلب مصلحة وتجاهلها عائدا بمفاسد وخراب على العباد في الدنيا والأخرة. وهي خمس (حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال)[6]

ومقاصد حاجيه وهي التي يكون الأخذ بها مقتصرا على الحاجة إليها في التوسعة ورفع المشقة فإذا لم تقام اصاب المكلف بها المشقة ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد.

ومقاصد تحسينية وهي محاسن زائدة راجعة على أصل المصالح الضرورية والحاجية إذ ليس فقدانها مخل بأمر ضروري.

عن المؤلف

إسمه الكامل عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن بن محمد بن مهذب السلمي، كنيته أبي محمد ولقب بـ عز الدين، وشيخ الإسلام، سلطان العلماء، بائع الملوك، ابن دقيق العيد[7] اما كنيته المشهورة والمعروفة بين الناس كانت الإمام العز.

كان من اصول مغربية، ولد في دمشق سنة 577 للهجرة، عالم وقاض مسلم من ائمة المذهب الشافعي[8]، برع في الفقه والأصول والتفسير واللغة، وبلغ رتبة الاجتهاد[9]. نشأ في دمشق، عاش فيها أكثر من ستين عام، ثم رحل إلى مصر واستقر فيها بقية حياته.

خلف الإمام العز بن عبد السلام العديد من الكتب والمؤلفات، وقال فيه اليافعي اليمني "وهو من الذين قيل فيهم: علمهم أكثر من تصانيفهم، لا من الذين عبارتهم دون درايتهم، ومرتبته مع السابقين من الرعيل الأول"[10] والسبب ان الإمام العز كان مشغولاً بالمناصب الرسمية وأعمال الأمة.

وقد توفي رحمه الله في مصر سنة 660هـ بعد عمر مديد ناهز ثلاثة وثمانين عاما قضاها في الجهاد في سبيل الله ونصرة الإسلام ونشر دعوته، ودفن في آخر القرافة بسفح المقطم، وكان درسه الذي ألقاه على الناس تفسير قول الله عز وجل ﴿الله نور السماوات والاَرض﴾[11] وصلى عليه خلق كثير.

التعريف بالكتاب

كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام وفي تسمية اخرى القواعد الكبرى للإمام العز بن عبد السلام من اهم كتب الفقه وأصوله. وهو من أعظم كتب الإمام وقمة إنتاجه وأعمق بحوثه حصر فيه الإمام العز المقاصد العامة في مقصد واحد، وهو جلب المصالح ودرء المفاسد، وأدرج فيه بقية المقاصد.

وللتعريف بهذا الكتاب سيتم النظر فيه من خلال ثلاثة مطالب كالتالي:

  • المطلب الأول: موضوع الكتاب والدراسات السابقة لعصر المؤلف.
  • المطلب الثاني: منهج المؤلف في كتابه.
  • المطلب الثالث: المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في كتابه.

موضوع الكتاب والدراسات السابقة لعصر المؤلف

تناول هذا الكتاب العديد من المواضيع المتعلقة باصول الفقه واهمها والتي تعد الأساس لهذا الكتاب موضوع مقاصد الشريعة واحكامها ويتضح ذلك من اسم الكتاب ايضا.

الإمام العز رحمة الله عليه ركز على موضوع المقاصد الشريعة كعلم وفرع اساسي في اصول الفقه الإسلامي الذي عرفه بشكل اساسي في حكمة الخالق في شريعته من خلال المصالح المستفاده من تلك الشرائع والأحكام والمفاسد المترتبه من عدم العمل بالمقاصد العامه المشروعه.

وايضا من تلك المقاصد مراعاة التخفيف، ورفع الحرج عن الناس وإقامة العدل بينهم، حيث قال: "ومعظم مقاصد القرآن الأمر باكتساب المصالح وأسبابها، والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها"[12]

وفي الموضوع الأساسي لكتاب العز فقد سبقه العديد من المؤلفين وائمة المسلمين في الحديث عن موضوع المقاصد الشرعية واحكامها بشكل منسق وأكثر تفصيلا، بعض تلك الكتب مما اعتمد عليه الإمام العز في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام.

م

اسم الكتاب

المؤلف

تاريخ الوفاة

1

التبصير في معالم الدين

الإمام محمد بن جرير الطبري

310هـ

2

مقاصد الصلاة

ابوعبدالله الترمذي

320هـ

3

محاسن الشريعة

الإمام أبي بكر الشاشي

365هـ

4

علل الشرايع

أبو جعفر الشيخ الصدوق

381هـ

5

البرهان في أصول الفقه

الإمام الجويني

478هـ

6

كتاب الأحكام

الإمام الآمدي

631هـ

منهج المؤلف في كتابه

اعتمد العز بن عبد السلام في كتابه في تعريف المقاصد ومواضيع اصول الفقه المرتبطه بمفهوم مقاصد الشريعة على:

  • النص الصريح على المقاصد والتعليل في الكتاب والسنة.
  • استقراء الأحكام الشرعية التي عرفت عللها بطريق مسالك العلة، دون نص صريح عليها.
  • استقراء الأحكام الشرعية التي عرفت عللها بطريق مسالك العلة، دون نص صريح عليها.
  • الإقتداء بالصحابة في فهمهم لأحكام الكتاب والسنة.

وعن منهج الإمام العز في فهم المقاصد الشرعية وطرق إثباتها والتي اعتمد عليها في كتابه: العقل والفطرة والتجربة، فقد قال: "ومعظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف بالعقل، وذلك في معظم الشرائع؛ إذ لا يخفى على عاقل قبل ورود الشرع، أن تحصيل المصالح المحضة، ودرء المفاسد المحضة عن نفس الإنسان وعن غيره محمود حسن، وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن، واتفق الحكماء على ذلك."[13]

وقد قسم الإمام العز كتابه إلى عدة فصول وابوب وتكون كتابه من مجلدين، في البداية افتتح كتابه بمقدمة بعدها جاءت الفصول الأولى تتحدث عن المصالح والمفاسد تعريفا وتفصيلا، وبعدها فصول تتحدث عن الثواب والعقاب وبعدها فصول الأحكام والقواعد العامه للمقاصد الشرعية.

يمكننا القول ان كتاب الإمام العز يتحدث عن مقاصد الشريعة واحكامها وما يترتب عليها من جلب مصالح ودرء مفاسد بشكل عام.

المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في كتابه

لم يصرح الإمام العز بن عبد السلام على مصادره التي اعتمد عليها في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام وجعل هذا الأمر مبهم على الكثير من طلابه والدارسين لكتابه في مقاصد الشريعة واصول الفقه.

بالرغم من ان الإطلاع بشكل مفصل على كتابه ودراسته يظهر لنا اعتماده على كثير من الكتب والمؤلفات في التفسير والحديث واصول الفقه لكبار العلماء والمفسرين في علوم الدين الفقه الإسلامي ورواة الحديث المشهورين.

  • كتب الشافعية
    اعتمد الإمام العز بن عبد السلام بشكل اساسي على كتب ومؤلفات علماء وائمة الشافعية واولها كتب الامام أبو عبد الله الشافعي.
  • كتب الإمام الشاشي[14]
    كانت كتب الإمام الشاشي مصدرا ملهما للإمام العز في كتابه كون الإمام الشاشي كان من اوائل وكبار الائمة في علم المقاصد ويقول الأغلب ان الشاشي هو من اسس لعلم مقاصد الشريعة وبحث فيه وفسر الكثير من اللبس والغموض في هذا العلم.
  • الصحيحين في الحديث
    كانت كتب الصحيحين بخاري ومسلم في رواية الأحاديث من أبرز الكتب وأشهرها واكثرها ثقة عند اهل السنة لما فيها من قوة في السند وصحة في الرواية ولهذا اعتمد الإمام العز رحمة الله عليه على هذه الكتب كمصدر اول في الأحاديث المستدلة في كتابه.
  • كتب الإمام الترمذي
    ايضا كتب الإمام ابي عبد الله الترمذي في اصول الفقه ومقاصد الشريعة وكتب الحديث كانت ملموسة في العديد من المواضع في كتاب العز ولم يصرح بذلك ولكن يمكن ملاحظتها حتى وان اختلف صيغتها.
  • كتب الإمامين الطبري وابن كثير في التفسير
    كان لهذين الكتابين دور بارز في كتاب العز عند تفسير الايات واستنباط الأحكام والمقاصد الشرعية منها، فقد ساهمت كتب الإمام محمد ابن جرير الطبري وكتب الإمام ابن كثير بشكل بارز في كتب علماء الشافعيه ومنهم الإمام العز في كتابه هذا.

الخاتمة

يعد كتاب قواعد الأحكام للإمام العز بن عبد السلام رحمه الله من أعظم الكتب التي اهتمت بمقاصد الشريعة وأحكامها ومن أبرز كتبه في الفقه، ويرى البعض من علماء الأمة أن الإمام العز أول من فتح باب التأليف في القواعد، تم تبعه من جاء بعد وسار على منهجه[15].

ومن اهم النتائج الملاحظة التي حققها كتاب العز رحمه الله:

  • إثراء علوم اصول الفقه والمقاصد الشرعيه.
  • بسط مفهوم المقاصد من خلال ضرب الأمثله على تلك الاحكام.
  • شرح مفهوم الحقوق بين العبد وربه بشكل مفصل وواضح
  • وضح الأحكام الشرعية والمقصود بها والمصلحه منها.

ولا يكتمل الحديث عن هذا الكتاب في بعض صفحات فمحتواه اشمل وأكبر وقد كتب العديد من العلماء بعد العز عن هذا الكتاب واعتمدوا عليه في فهم الاحكام ومقاصدها وفي دراسة اصول الفقه امثال المقدسي، والفزاري، والقرافي وغيرهم من علماء الفقه.


[1] سورة الملك، الآية 14

[2] محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح

[3] سورة النحل، الآية 9

[4] الإمام ابى إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الأحكام

[5] سورة البقرة، الآية 179

[6] الإمام ابى إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الأحكام، ج2 ص3

[7] ابن السبكي، طبقات الشافعية، 8/209

[8] العز للوهيبي، ص47

[9] محمد الزحيلي، العز بن عبد السلام، الطبعة الأولى،ص39

[10] علي الصلابي، نقلاً عن: مرآة الجنان، ج4 ص153

[11] سورة النور، الآية 35

[12] قواعد الأحكام، 1/7

[13] قواعد الأحكام، م، س، 1/5-7

[14] كتاب محاسن الشريعة، الإمام ابي بكر محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي

[15] كشف الظنون 2/ 1359، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/ 214