موسم الهجرة الى الشمال للكاتب الطيب صالح ملخص وتحليل ادبي

موسم الهجرة الى الشمال للكاتب الطيب صالح ملخص وتحليل ادبي
موسم الهجرة الى الشمال للكاتب الطيب صالح ملخص وتحليل ادبي

الوصف الروائي النقدي لقضية الرواية

تدور احداث الرواية حول ثلاث شخصيات منها شخصيتان متناقضتان رغم انهما عاشتا ظروفا متشابهة تقريبا فالشخصية الأولى تمثل الراوي الذي عاش حياته في الغربة بشكل منضبط ملتزما بمبادئه الأخلاقية متمسكا بهويته وانتمائه لوطنه ومن ثم عاد بعدها مستغلاً خبراته المكتسبة لخدمة موطنه، اما الشخصية الثانية لـ مصطفى سعيد الذي تخلى عن هويته الأصلية متأثرا بالثقافة الغربية فتحول إلى شخصية عبثية إنتقامية لم تستطيع التأقلم الإيجابي مع المجتمع بعد عودته إلى موطنه، واخيرا شخصية جد الراوي الذي عاش حياة بسيطة تقليدية في فترة ماقبل الإستعمار الإنجليزي.

نقاش حول محط الإعجاب في الرواية

شخصية مصطفى سعيد هي الشخصية التي اثارت اهتمامي من خلال السرد الروائي الذي ركز بشكل كبير على الحديث حول هذه الشخصية، وايضا مما جعلها الشخصية المفضلة لدي هي التغيرات المصاحبة لهذه الشخصية بشكل كبير، والتحولات في حياة مصطفى سعيد زماناً ومكاناً، فمصطفى سعيد ابن الأثنى عشـر عام كان يتيم الأب ويعيش مع امه وحيدين، ورغم ذلك لم تثنية تلك الظروف عن التفوق والإجتهاد في دراسته، ثم يهاجر إلى القاهره لإكمال دراسته تاركاً خلفه أمه وحيدة، بعدها ينتقل من القاهرة إلى لندن، تلك التنقلات المكانية في حياة مصطفى سعيد اضافت للشخصية عنصر التشويق.

ثم تأتي التحولات في شخصية مصطفى سعيد التي اثارت اهتمامي كقارئ يعيش احداث الرواية، فنلاحظ وجود تداخلات في هذه الشخصية فأصبحت تمثل مزيج بين النجاح العلمي مع الفساد الخلقي، فبالرغم من التفوق العلمي الذي حققه مصطفى سعيد في غربته فقد تأثر بشكل كبير بالثقافة الغربية التي جردته من انتماءه وهويته الوطنية.

كل تلك الاحداث والتغيرات اضافت لمسة ابداعية لشخصية مصطفى سعيد لتجعل منه شخصية اساسية لهذه الرواية، تجذب انتباه القارئ من الوهلة الأولى.

لا اظن ان مصطفى سعيد يمثل شخصية حقيقة، فالأحداث المصاحبة لتلك الشخصية رغم ماتحمله من اثارة وتشويق تجعل القارئ يبحر في سطور هذه الروايه، إلا انها لاتمت للواقع باي صلة وانما هي شخصية مبتكره من مخيلة الكاتب، قد تختلف نظرة القارئ لهذه الشخصية من الاخذ بها بشكل سطحي اوالنظرة الفاحصة والبحث عن المقصود العام من تلك الشخصية حسب استراتيجية قراءته للرواية، فعند النظر للشخصية من المنظور العام يتبين الرسالة التي اراد الكاتب ايصالها لنا للمقصود من الأحداث التي مرت بها الشخصية والتغيرات التي قادت بها إلى نهاية مأساوية.

بصراحة لم تكن لدي توقعات كثيرة اثناء قرائتي بسبب اسلوب التنقل في السرد بين الازمنة والأماكن والشخصيات الذي خلق تفكك في الأحداث وجعل من الصعب خلق توقعات والإكتفاء بمتابعة فهم مجريات الرواية لتتكون صورة اوضح، ولكن عنصر التشويق في خواتم بعض الأحداث خلق توقعات بسيطة، وقد تحققت في أحداث لاحقة.

اما عن جزئي المفضل في الرواية فيتمثل في المشهد الختامي الذي صاغه الكاتب بأسلوب درامي ممتاز، بحيث يجعل القارئ يعيش معه احداث هذا الجزء، وطريقة سرد والاسلوب المستخدم صياغة هذا المشهد مازاد من عظمته.

وظللت أسبح وأسبح حتى استقرت حركات جسمي مع قوى الماء إلى تناسق مريح. لم أعد أفكر وأنا أتحرك إلى الأمام على سطح الماء وقع ضربات ذراعي في الماء. وحركة ساقي، وصوت زفيري بالنفس، ودوي النهر، وصوت المكنة تطقطق على الشاطئ لا أصوات غير ذلك. ومضيت أسبح وأسبح وقد استقر عزمي على بلوغ الشاطئ الشمالي. هذا هو الهدف. كان الشاطئ أمامي يعلو ويهبط، والأصوات تنقطع كلية ثم تضج. وقليلاً قليلاً لم أعد أسمع سوى دوي النهر. ثم أصبحت كأنني في بهو واسع تتجاوب أصداؤه. والشاطئ يعلو ويهبط ودوي النهر يغور وطفو. كنت أرى أمامي نصف دائرة. ثم أصبحت بين العمي والبصر. كنت لا أعي ولا أعي. هل أنا نائم أم يقظان ؟ هل أنا حي أم ميت ؟ ومع ذلك كمنت ما أزال متمسكاً بخيط رفيع واهن : الإحساس بأن الهدف أمامي لا تحتي، وأنني يجب أن أتحرك إلى الأمام لا إلى الأسفل. لكن الخيط وهن حتى كاد ينقطع، ووصلت إلى نقطة أحسست فيها أن قوى النهر في القاع تشدني إليها. سرى الخدر في ساقي وفي ذراعي، اتسع البهو وتسارع تجاوب الأصداء. الآن. وفجأة، وبقوة لا أدري من أين جاءتني، رفعت قامتي في الماء. سمعت دوي النهر وطقطقة مكنة الماء. تلفت يمنة ويسرة فإذا أنا في منتصف الطريق بين الشمال والجنوب. لن أستطيع المضي ولن أستطيع العودة. انقلبت على ظهري وظللت ساكناً أحرك ذراعي وساقي بصعوبة بالقدر الذي يبقيني طافياً على السطح. كنت أحس بقوى النهر الهدامة تشدني إلى أسفل وبالتيار يدفعني إلى الشاطئ الجنوبي في زاوية منحنية. لن أستطيع أن أحفظ توازني مدة طويلة. إن عاجلاً أو آجلاً ستشدني قوى النهر إلى القاع. وفي حالة بين الحياة والموت رأيت أسراباً من القطى متجهة شمالاً. هل نحن في موسم الشتاء أو الصيف ؟ هل هي رحلة أم هجرة ؟

ايضا مشهد وداع مصطفى سعيد لأمة حين قرر السفر إلى القاهرة لإكمال دراسته، فقد احتوى هذا المشهد على كمية مشاعر، لا أدري هل كان ذلك دليلا على التفكك الأسري وتشتت المجتمع الذي خلفه الإستعمار آنذاك، ام انه حمل معنى اخر.

كان ذلك وداعنا. لا دموع ولا قبل ولا ضوضاء. مخلوقان سارا شطراً من الطريق معاً، ثم سلك كل منهما سبيله. وكان ذلك في الواقع آخر ما قالته لي، فإنني لم أرها بعد ذلك. بعد سنوات طويلة، وتجارب عدة، تذكرت تلك اللحظة، وبكيت. أما الآن، فإنني لم أشعر بشيء على الإطلاق. جمعت متاعي في حقيبة صغيرة، وركبت القطار. لم يلوِّح لي أحد بيده ولم تنهمر دموعي لفراق أحد.

نقاش حول القضايا الغير مناسبة والإختلاف في اسلوب الطرح

من الأشياء التي تمنيت انها لم تحدث في الرواية، اعتماد الكاتب بشكل كبير على اسلوب التنقل بين الازمنة والاماكن والشخصيات بشكل مفاجئ، مما يجعل القارئ يخرج من سياق الرواية احيانا، او تشتيت وفقد تتبع الشخصيات، وغالبا ما يحدث ذلك عند احداث مهمة.

صحيح ان هذا الأسلوب الروائي يضيف عنصر التشويق واللمسة الإبداعية لمجريات الأحداث، ولكن التكرار في استعمال هذا الأسلوب والأعتماد عليه بشكل مستمر، يربك القارئ فعلا، وربما يعقد فهم بعض الأحداث والحوارات، لأن الرواية لا تستهدف فئة معينة فقط، فالبعض يجد صعوبة في التأقلم مع هذا الأسلوب الروائي احياناً.

بالنسبة لي كانت هنالك قضيتين تمنيت انها لم تذكر، الأولى تتلخص في تكرار المشاهد الجنسية بدون غرض فني يخدم الأحداث، فإن كان هنالك رؤية فنية لدى الكاتب في توظيف تلك المشاهد، فيمكن تحقيق رؤيته من خلال أول مشهدين او ثلاثة كحد اقصى، ولا داعي للتكرار بتلك الطريقة التي وجدها البعض انها طرح وسيء وغير أخلاقي.

اما الأخرى فهي تصوير الشخصية الإنتقامية بطريقة سادية من خلال إغواء النساء وممارسة الجنس، وثم هجرهن او قتلهن، دون الأخذ بعين الاعتبار أثر هذه السلوكات غير السوية على النظرة الغربية لحال المهاجرين العرب الذي قصدوا أوروبا لغرض الدراسة او العمل، حتى وإن كان المقصود من تلك الأحداث موجه ضد المستعمر.