المظاهر الدينية لعصر النهضة

المظاهر الدينية لعصر النهضة
المظاهر الدينية لعصر النهضة

مقدمة

عصر النهضة يمثل بالفترة ما بعد العصور الوسطى منذ بدايات القرن الرابع عشر حتى اواخر القرن السابع عشر، والتي بدأت في ايطاليا ومن ثم إمتدت لتغطي بقية ارجاء القارة الاروبية، وقد تميز هذا العصر بالتوجه نحو النمو الثقافي واحياء الفكر الكلاسيكي القديم، وظهور العديد من العلماء، والتطور في مختلف العلوم والمجالات، والإهتمام بالعلوم والتعليم الكلاسيكي، وذلك بعد مرحلة طويلة من الركود الثقافي.

وقد مثل هذا العصر كونه الحقبة الزمنية التي تميزت بـ إحياء العلوم في مختلف المجالات الثقافية، الفلسفية والتطبيقية والأدبية والفنون وغيرها..، وقد حقق هذا العصر العديد من الإنجازات مثل إكتشاف بعض القارات والجزر الجديدة، ووضع الأنظمة والقوانين الفيزائية والدراسات الفلكية، واهم ما تميز به هذا العصر هو تطور النظام الإقتصادي والثورة التجارية.

ومن المتوقع وجود عدة ظروف ساهمت بشكل ما في تحقيق النهضة في اروباء خلال تلك الفترة، ويرى البعض ان الثورة الإقتصادية في القرن الثاني عشر ميلادي التي ادت لظهور الطبقة الوسطى العاملة هي مامثلت عاملا اساسيا في إحداث ثورة الإصلاح في اروباء لاحقا.

وكذلك النمو الإقتصادي الحاصل في الفترة التي تزامنت مع بدايات عصر النهضة والتطور في المجال الصناعي والتجاري هي ما ادت إلى ثورة إقتصادية في اروباء، وكذلك كان لدعوى الإصلاح الديني التي ظهرت خلال تلك الفترة والمتمثله في التسوية بين مقتضيات الإيمان والعقل الإنساني والتوفيق بينهما، حيث كان مثلت دور اساسي في بناء عصر النهضة، وفي هذا البحث سنتطرق لهذا الجانب من المظاهر الدينية في هذا العصر ومظاهر الإصلاح الديني في عصر النهضة.[1]

الإصلاح الديني

لفترة طويلة في المرحلة التي سبقت عصر النهضة، سيطرت طبقة رجال الكنيسة والمسماه بـ الإكليروس على مفهوم الفكر الديني ومايقتضيه، حيث حرم الكثير من الناس في تلك المرحلة من حقوقهم بفعل هذا الفكر، بل وقد عانى الكثير بسببه حيث اجبروا على الإمتثال لرجال الدين وطاعتهم  بشكل مطلق، والميل عن تنفيذ الاهداف الاساسية التي رسمتها الكنيسة سبب في تعرضهم للعقاب، ايضا وقد كانت المرأة هي اكثر من عانت بفعل هذه الجماعه التي سيطرة على الفكر الديني في اروباء قبل ظهور بوادر عصر النهضة.

كل ذلك القهر والظلم الذي تعرض له المجتمع الاروبي في تلك المرحلة كان كافي لإحداث تغيرات جذرية والمطالبة بتحقيق التوافق بين مايقتضيه العقل مع الدين، ورفع عصى الظلم الحاصل بفعل فرض رجال الكنيسة سيطرتهم على قرارات وحريات المجتمع الأروبي انذآك.

وكل ذلك كان متزامنا مع ما سمي بـ عصر النهضة، وتلك المساعي كانت احدى عوامل النهضة الحاصلة في تلك الحقبة..

بعد ذلك ظهرت العديد من التوجهات الفكرية التي تتبنى عدد من المبادئ والآراء المستنده على ما يتوافق مع العقل، وذلك من اجل تحقيق توافق بين المبادئ الدينية والإنسانية، كل ذلك ساهم في ظهور النزعات التي نظرت في الدين او العقل كأساس للحقيقه، وبالرغم من ذلك كان للنزعه الدينية الصيت الاكبر والشهرة الاوسع، كونها ركزت بالدين إلى جانب الفلسفة اليونانية، مثل نزعة مارسيل فيسيمك حيث حاولت التنسيق بين الجانب الديني والدنيوي، حيث اعطت قيمة للروح والجسد على حد سواء، كذلك كان لنزعة ليمندول دور كبير في التوفيق والتسوية بين الدين والفلسفه بعد مارسيل.[2]

الإصلاح البروتستانتي

استمرت الاراء التي وضعها مارسيل وليمندول تناقش مفهوم العبادة الحديثه، إلى فترة ظهور الثورة الدينية على يد مارتن لوثر، والتي كونت مذهب جديد سمي أطلق عليه بـ البروتستانتي.

ويعبر المذهب البروتستانتي عن النظرة الجديدة للرب وللعالم اجمع، حيث اكد هذا المذهب على الإهتمام بما سمي بالحرية الروحانية، حيث حارب هذا المفهوم النظام القائم للكنيسة وسلوكها الغير قانوني والسعي لإحداث الإصلاحات التي تعني بتحقيق مبادى الحرية الفكرية والتي تمثل اساس الحرية الروحانية.

ساهم الإصلاح البروتستانتي في تعزيز نظرية الأخلاق وتنميتها، وفي فترة لاحقة اصبحت مفاهيم هذه النظرية توضع بطريقة مخالفة للمفاهيم الاساسية للاخلاق المتعارف عليها في العصور الوسطى، والتي شكلت فيما بعد مفاهيم اخرى جديدة، كـ الحرية، الوعي، الإنسانية، وغيرها.. وبهذا الشكل فقد اسهمت في فك ارتباط الدين مع الحياة الإجتماعية، وايضا كان لها تأثير على الحياة الثقافية بشكل عام.[3]

عند الحديث عن حركة الإصلاح الديني، فيخطر لنا اسم شخصية ساهمت في تأسيس مذهب الإصلاح الديني في اروبا والذي عرف بـ المذهب البروتستاني، وهذه الشخصية تعرف بـ الراهب مارتن لوثر، والذي ذاع صيته وارتبط إسمة بمفهوم حركة الإصلاح الديني، وكانت دعوته هو وغيره من المصلحين في ترسيخ مبادئ الخلق القويم في المجتمع، وايضا انتقاد طمع رجال الدين في انشغالهم بجمع  الثروات والأموال، وايضا الوقوف ضد الحياة التي تمثلت بالرهبنه حسب تعريفهم لها بأنها حياة ذل واستهانه حيث كان دافعه انصرافهم عن الزواج.

كانت حركة الإصلاح الديني تمثل خطوة متقدمة وجرئية، كونها ظهرت في فترة سيطرة رجال الدين على شؤون الدولة وإقتصادها وممارستهم لشتئ اساليب القمع وسلب الحريات، وايضا كونها حركة ظهرت لتغير مبادئ أصولية راسخة في المجتمع آنذاك، حيث وقد مثلت هذه الحركة ثورة حقيقية على اصول الفكر  الديني المتطرف والطاغي في تلك الفترة، والذي عرف كونه عميل لسلطة الإقطاع الحاكمة آنذاك.[4]

من مظاهر الإصلاح الديني

تمثل المصلحة وماتقتضيه إحدى اهم مظاهر الإصلاح الديني، حيث ارتبط هذا المفهوم مع المجالات المتداخلة في ذاك العصر، كـ المجال الإجتماعي، والإقتصادي، والتربوي، وبالرغم من ذلك فقد مثلت القضايا السياسية في اولويات تلك المجالات، على الأغلب، وذلك في الخطابات والمشاريع والقوانين الموضوعة، وهنا نشأ الفكر الإصلاحي الديني، والذي تطور بشكل متسارع ليحقق العديد من الإنجازات على المستوى الإجتماعي والسياسي والإنساني.[5]

إختلفت الآراء للباحثين والمصلحين حول وضع مفهوم موحد في المصلحة وماتقتضية، حيث يرى ان المصلحة ترتبط بالمفهوم العام والآخرون يرون في المصلحة شأن خاص، وكل طرف يقدم إحدى انواع المصلحة على الأخر، فيقدم البعض المصلحة العامة على الخاصة، واخرون يرون العكس من ذلك.

وفي النظر لمفهوم المصلحة من جانب الإصلاح الديني في عصر النهضة، فقد تلخصت في ثلاثة محاور اساسية، وهي كالتالي :

  1. المصلحة الغيرية، والتي تعني بمفهوم المصلحة العامة وارتباطها بالأخرين، كالأخذ بالتنظيمات والتوافق معها بما يحقق في ذلك من المصلحة على الطرفين. وقد اختلفت الآراء حول تلك المظاهر التي طرأت في تلك الحقبة من قبل حركة الإصلاح، حيث رأى البعض في ذلك توجه غير صائب، ولكن النسبة الأكبر ايدت تلك المظاهر المستحدثه لما تحققه من تقدم ونمو في المجالات المختلفه اهمها الإقتصادية، وبالرغم من ان مفهوم المصلحة يمثل مفهوم عام، إلا ان حركة الإصلاح الدينية هي من ايدت ذلك المفهوم واكدت عليه، وكسرت القواعد الموضوعه من قبل السلطة السابقه والمتواطئه مع رجال الدين.
  2. مصلحة تحقيق التمدن والعدالة، مثل هذا المحور منطلق اساسي لدى الكثير من المصلحين، حيث رأى العديد من المفكرين ان الإنفتاح والتمدن، يمثل اساس للعدالة الإجتماعية والسياسية، والتي كان الإصلاح الديني الدافع الأول والمطلق لتلك الآراء، ويمثل البناء والتنمية ثمرة لتلك الآراء المنطلقة من دافع الإصلاح الديني في الدولة، وعلى العكس من ذلك يرى الكثير ان الظلم الناتج عن الفساد السياسي المتستر في الغطاء الديني لا ينتج عنه إلا الدمار والخراب، والتراجع العمراني.
  3. المصلحة ضمن الوعي التاريخي، يرتبط مفهوم المصلحة هنا بالوعي بالتدرج في التسلسل الزمني لما يحققه الشعور بمسؤولية تجاه تحقيق المصلحة العامة، والعمل بما تقتضية المصلحة المتوافقه مع الزمان والمكان الحالي، مع النظر في بعض ما تحققه المصلحة العامة على مر التاريخ في قضايا المتشابهه.

الختام

تعرفنا على مفهوم عصر النهضة وبدايات ظهروة ورواده، وكيف ساهمت الإكتشافات والعلوم في تلك المرحلة في التطور والنهوض في مختلف المجالات، وكيف ساهم الجانب الديني في تحقيق العديد من النتائج وذلك من خلال حركة الإصلاح الديني التي ظهرت نتيجة لعدة اسباب ومقتضيات ادت إلى الخروج عن الواقع الذي يعيشه المجتمع في تلك الحقبة ومجابهة القوانين والأنظمة المفروضه مبفعل السلطة الحاكمة المتواطئة مع رجال الدين آنذاك، وكذلك التحديات التي واجهت تلك الحركة الإصلاحية نتيجة مساعي الحفاظ على التراث الأصولي في العديد من القضايا التي حاربتها تلك الحركة، وكيف استطاع رواد هذه الحركة الإصلاحية التصدي لتلك المعوقات، وفرض سياق جديد مخالف لما كان الوضع عليه سابقاً.

ومن المظاهر التي تمثلت في الإصلاح الديني في عصر النهضة، مفهوم المصلحة بمحاورة المختلفه، فقد مثلت المصلحة إحدى ركائز الإصلاح الديني، والعمل على تحقيقها اختلف باختلاف محاورها، ومجالاتها.

وفي الختام، نرى ان عصر النهضة حقق العديد من الإنجازات على مختلف المستويات والمجالات، وكان الجانب الديني النصيب الاوفر منها، كونه مثل اساس النظام السياسي وارتبط بجميع المجالات الأخرى، فكان لابد من تحقيق مبادى الإصلاح الديني، ليتحقق النهوض لبقية الجوانب الإجتماعية والإقتصادية والسياسية.

المصادر

[1] زبيدة الشيشاني، عصر النهضة، مقال على موقع موضوع

[2] فيصل سعد، من مظاهر الإصلاح الديني في عصر النهضة، شبكة مؤمنون

[3] حركة الإصلاح الديني، مركز التنمية البيئية والإجتماعية etccmena

[4] عبدالله العروي، المشروع النهضوي، صفحة 14 – 15

[5] أ. حسن بوقادوم، النهضة الأروبية، كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية.