الشرائع السماوية : ابرز القيم المشتركة حسب دعوى التشريعات السماوية

مقدمة

بالرغم من الاختلافات والصراع القائم بين الاديان على مر العصور ، إلا انه توجد العديد من القيم المشتركة بين تلك الأديان ، سواء على المستوى العقائدي والإجتماعي والإنساني والأخلاقي ، ولا ننسى ان جميع تلك الاديان السماوية اتت من مصدر واحد كالمسيحية واليهودية والإسلام ، وجميعها تقدم نفس الهدف في جانب التوحيد والعبادة والتربية الاخلاقية وبناء المجتمع ، وتشترك في العديد من الاحكام والتشريعات التي تضمنتها نصوصها.

ولهذا تجدر الإشارة إلى السلوك الإنساني الغير سوي كالتطرف والإنحراف عن المسار الصحيح الذي اتت به جميع الشرائع السماوية ، ادى إلى اتساع دائرة الصراع بين الجماعات الدينية.

القيم المشتركة

نجد ان جميع الشرائع السماوية اتت بدعوة التوحيد والعبادة وما يتعلق بها ، كذلك نجدها تحمل نفس الدعوة للتسامح والتربية الأخلاقية السوية ، وإعمار الأرض ونشر العدل بين الناس ، ويمكن تفسير تلك القيم كالتالي : على المستوى الديني ، نجدها تحمل ذات الدعوة لتوحيد الله وعبادته على الشكل الصحيح قال تعالى ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ _{[سورة آل عمران ، الآية 64]} ، وتفسر العديد من القضايا الخلقية والشؤون الغيبية ، كالحياة بعد الموت ، ويوم الحساب ، والجنة جزاء المحسنين والنار عقاب الكافرين ، كما حملت دعوة إلى التصديق بكافة الأنبياء والرسل وما جاءو به من تشريعات انها من عند خالق واحد قال تعالى ﴿يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا باللّه ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً﴾ _{[سورة النساء ، الآية 136]} وغيرها من قضايا التوحيد التي لا خلاف عليها بين كافة الشرائع السماوية.

أما على المستوى الإنساني ، فنجدها تشترك في الدعوة لتحقيق مبدأ المساواة بين الناس على إختلاف ألوانهم وأشكالهم وثقافتهم ، وان تكون تقوى الله هي المقياس الاساسي ، قال تعالى ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ _{[سورة الحجرات ، الآية 13]} ، الإيثار من أجل الإنسان ، التعايش وتقبل الأخرين والتسامح بين الأديان ، والدعوة للإيمان بدون إكراه او عنف ، قال تعالى ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ _{[سورة البقرة ، الآية 256]} ، وذلك ان الإيمان فعل قلبي غير ظاهري ، وحفظ النفس البشرية دون النظر في عقيدته او لونه ، قال تعالى ﴿أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾ _{[سورة المائدة ، الآية 32]} ، كما أشتركت في العديد من القضايا في التربية الأخلاقية كالوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، وحفظ مال اليتيم ، وبر الوالدين ، وتجنب النفاق والكذب ، والإحسان والعفو ، قال تعالى ﴿وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ _{[سورة فصلت ، الآية 5]} ، وقد جاء في تعاليم سيدنا المسيح عليه السلام [من ضربك على خدك فأعرض له الأخر ، ومن اخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك] ، كما تشترك كافة الأديان في فقهها الديني ، كـ توضيح احكام المسائل المتعدده ، من جوازها او تحريمها ، ولا نجد في ذلك اي تناقض او خلاف.

الختام

نرى ان جميع الأديان السماوية ، وان اختلفت مسمياتها إلا انها حملت رسالة آلهية موحدة ، تشترك في العديد من القيم العقائدية والمعنية بقضايا التوحيد والعبودية ، وقيم إنسانية واخلاقية كـ قيم التسامح والعدل والوفاء ، حفظ حرمة النفس البشرية وماله وكرامته ، كما إشتركت في العديد من اصولها الفقهية التي نظمت حياة البشر ، ولا ننسى ان جميع الديانات السماوية اتت ملزمة بالتصديق ببعضها البعض وجعل ذلك مقياس للإيمان بها ، واكدت على حرية الإنسان في الإيمان والتصديق كما انها نبذت كافة اشكال التطرف والتعصب الديني.

من التوصيات المقترحة في هذه المسألة : السعي نحو تحقيق قيم العدل والمساواة من خلال احترام التوجهات الدينية المختلفه ، نشر الوعي بظرورة التعايش وتقبل الاخرين لما يحققه من آمن وسلام واستقرار ، تفعيل الدور الرقابي وفرض العقوبات في مسئلة إزدراء الأديان ، واخيراً .. احترام الشعائر الدينية المختلفه.

المصادر

• السيد حسن عزالدين بحر العلوم ، الأصول المشتركة للأديان ، 2013م ، دار العارف للمطبوعات
• محمد مختار جمعة ، المشتركات الإنسانية فى الشرائع السماوية ، 2017م ، اليوم السابع (رابط)