الموافقات للشاطبي شرح ونبذة عن كتاب الموافقات المنهجية والمصادر

الموافقات للشاطبي شرح ونبذة عن كتاب الموافقات المنهجية والمصادر
الموافقات للشاطبي شرح ونبذة عن كتاب الموافقات المنهجية والمصادر

المقدمة

إن القرآن الكريم هو المصدر الشرعي الاول للأحكام الفقهية والتشريع الاسلامي.
ثم اتت السنة النبوية موضحة ومفسرة لما جاء به القرآن من احكام شريعة وايضاح مقاصد تلك التشريعات ويمثلا معا شرح وتفسير وبيان لمقاصد الشريعة الاسلامية.

وعند دراسة مقاصد التشريع الاسلامي واحكامه فإن أنواع الأحكام في الشريعة الاسلامية تصنف كما يلي:

  • الأحكام الإيمانية والتوحيد وهي تلك التي تتعلق بما يجب على المكلفين اعتقاده في االله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
  • الأحكام التهذيبية والخلقية وهي تلك التي تتعلق بما يجب على المكلفين أن يتحلوا به من الفضائل ومايجب عليهم تركه من الرذائل.
  • الأحكام العملية التي تتعلق بما يصدر عن المكلف من أقوال وأفعال وعقود وتصرفات[1].

ومقاصد الشريعة تعرف بانها المعاني الملحوظة والأهداف المنشودة من الشريعة في جميع أحكامها، أو انها الغاية من كل حكم من أحكام الشريعة[2]، وهي ضرورة حتمية يجب العمل بها في جميع احكامها، لما فيه من مصلحة للعباد.

التعريف بالمؤلف

إسمه الكامل إبراهيم بن موسى بن محمد أبو إسحاق اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي[3]، ويكنى بـ أبو إسحاق، وهو من أشهر علماء الأندلس المسلمين، شهد له الكثير من العلماء بمآثره العديدة وكان من أشهر علماء المذهب مالكي.

كان الشاطبي عالما في مختلف جوانب العلوم الشرعية وعلوم الحديث وفقهه والفقه الشرعي وأصوله وبحاثا في علوم اللغة العربية المختلفة كالأدب والنحو والصرف وغير ذلك من العلوم.

لم يدون عنه اي معلومات مؤكدة عن مكان ولادته، ولا عن تاريخ مولده، ولم يذكر الكثير عن نشأته، إلا أن البعض يرجح أن أصله يعود إلى مدينة شاطبة، ويقال عنه أنه ولد في مدينة غرناطة، قبيل سنة 720هـ[4].

ارتقى بعلمة حتى حاز مرتبة عالية بين علماء الفقه الإسلامي الذين خلد التاريخ ذكرهم.
قيل عنه في الثناء عليه «هو الإمام العلامة المحقق القدوة الحافظ الجليل المجتهد الأصولي المفسر الفقيه المحدث اللغوي النظارة المدقق البارع صاحب القدم الراسخ والإمامة العظمى في سائر فنون العلم الشرعي، والإمام المحقق العلامة الصالح»[5].

وقد تلقى علمه رحمة الله عليه على ايدي كبار علماء الفقه الإسلامي من شيوخ الغرناطيين والعلماء الوافدين، نذكر منهم مايلي:

  • أبو عبد الله محمد بن فخار البيري. الذي اخذ منه الشاطبي أصول العلوم الشرعية وفقه اللغة العربية وفنونها.
  • أبو جعفر أحمد الشقوري: الفقيه النحوي الفرضي
  • أبو عبد الله محمد بن على البلنسي الأوسي.
  • أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقري (الجد).
  • أبو علي منصور بن محمد الزواوي المدرس الأصولي.
  • شمس الدين أبوعبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق الخطيب التلمساني الذي اخذ منه الشاطبي الكثير من فقه علوم الحديث.

تتلمذ على يد الإمام الشاطبي الكثير من العلماء الأجلاء الذين شُهد لهم بالفضل في العلم وقد تنوعت علومهم وإبداعاتهم في جوانب شتى من العلم وقد ذكر منهم التنبكتي ثلاثة وهم:

أبو يحيى بن عاصم، وأخوه القاضي الفقيه أبو بكر بن عاصم صاحب المنظومة الفقهية الشهيرة (تحفة الحكام)، الشيخ الفقيه أبو عبد الله البياني، إضافة إلى أبو جعفر القصار، وأبو عبد الله المجاري.

وافاه الأجل رحمة الله عليه في شهر شعبان سنة 790 للهجرة بعد ان قضى حياته طالبا للعلم ومجتهدا في البحث والتدريس. وكان قد ألف العديد من الكتب نذكر منها مايلي:
الإفادات والإنشادات وكتاب الاعتصام وكتاب الموافقات في أصول الفقه وكتاب المقاصد الشافية في شرح خلاصة الكافية[6] وغيرها من المؤلفات.

التعريف بالكتاب

يعد كتاب الموافقات للإمام أبي إسحاق الشاطبي أحد كتب أصول الفقه وقواعده ومن أشهر الكتب التي تدرس مقاصد الشريعة ومواضيع الفقه الإسلامي المختلفه. ويصنف الكثير من علماء الشريعة ان الشاطبي يعد المؤسس لعلوم مقاصد الشريعة وكتابة الموافقات في اصول الشريعة هو المدخل لهذا العلم.

 ويمكن التعريف بهذا الكتاب من خلال ثلاثة مطالب كالتالي:

  1. المطلب الأول: موضوع الكتاب والدراسات السابقة لعصر المؤلف
  2. المطلب الثاني: منهج المؤلف في كتابه
  3. المطلب الثالث: المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في كتابه

المطلب الأول: موضوع الكتاب والدراسات السابقة لعصر المؤلف

ركز الشاطبي رحمة الله عليه بشكل اساسي في كتابه على مواضيع بيان مقاصد الكتاب والسنة والحكم والمصالح الكلية الكامنة تحت مفردات التشريع والتعريف بأسرار التكاليف في الشريعة.

كان قد وضع الإمام إبراهيم بن موسى الشاطبي للكتاب اسماً اخر وهو "التعريف بأسرار التكليف"[7] إلا أنه قام بتغييره إلى "الموافقات" وذلك بسبب رؤيا لأحد مشايخه حين قال الشيخ للإمام الشاطبي رأيتك البارحة في النوم وفي يدك كتاب ألفته فسألتك عنه فأخبرتني أنه الموافقات وسألتك عن معنى هذه التسمية الظريفة فأخبرتني أنك وفقت به بين مذهبي ابن القاسم وأبي حنيفة .[8]

وجدت العديد من الكتب والمؤلفات حول المواضيع التي تناولها كتاب الموافقات والسابقة لعصر الشاطبي والتي ايضا كان لها تأثير في بعض المواضيع التي وضعها الشاطبي في كتابه الموافقات.

ومن تلك الكتب والمؤلفات نذكر الاشهر منها مرتبة حسب التسلسل الزمني لكل منها في الجدول التالي:

م

اسم الكتاب

المؤلف

تاريخ الوفاة

1

محاسن الشريعة

أبي بكر القفال الكبير

365هـ

2

مقاصد الصلاة

الحكيم الترمذي

320هـ

3

البرهان في أصول الفقه

إمام الحرمين الجويني

478هـ

4

المستصفى

الإمام أبو حامد الغزالي

505هـ

5

شفاء الغليل

6

الكبائر

7

المحصول

الإمام فخر الدين الرازي

606هـ

8

الأحكام

الإمام الآمدي

631هـ

9

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

العز بن عبد السلام

660هـ

10

الفوائد في اختصار المقاصد

11

الفروق

الإمام القرافي

684هـ

12

التعيين في شرح الأربعين

الإمام الطوفي

716هـ

المطلب الثاني: منهج المؤلف في كتابه

نهج الشاطبي في كتابه هذا منهج الأصوليين حيث كان يبدأ بالكليات وينطلق منها إلى الجزئيات، فحين يضع القاعدة فإنه يأتي بأمثلة جزئية عليها من فقه الفروع توضيحا لما وضعه.

وقد أودع الشاطبي في كتابه الكثير من المواضيع التكليفية المتعلقة بالشريعة وحصر ذلك في خمسة أقسام[9] :

  1. المقدمات العلمية

وهي المقدمات العلمية للمقصود حيث جعل الشاطبي رحمه الله ثلاث عشرة مقدمة، والتي افتتح بها الشاطبي هذا الكتاب.

  1. الأحكام
    جعل الشاطبي هذا القسم في الأحكام وما يتعلق بها. وتكلم فيه عن الأحكام التكليفية الخمسة ( الوجوب – والاستحباب – والإباحة – والكراهة – والتحريم )
  2. مقاصد الشرع

وهذا القسم هو الذي يريد منه الإشارة إلى اختصاصه في باب مقاصد الشريعة. وتحدث فيه عن المقاصد في الشريعة والأحكام المتعلقة بها.

  1. الأدلة الشرعية

ووضع الشاطبي هذا القسم في حصر الأدلة الشرعية ومايتعلق بها.

  1. في أحكام الاجتهاد والتقليد

جعل القسم هذا في الحديث عن أحكام الاجتهاد والتقليد وما يتعلق بذلك من التعارض والترجيح والسؤال والجواب .

المطلب الثالث: المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في كتابه

كان الشاطبي رحمه الله واسع الاطلاع، اعتمد على كثير من الكتب والمؤلفات لكبار مشائخ الدين وعلماء الامه ممن سبقوه في علوم الفقه الإسلامي والمفسرين ورواة الحديث المشهورين، ولكن الشاطبي كان قليل التصريح باسماء المصادر المستخدمة في مؤلفاته، والإبهام في ذلك الأمر.

اما عند البحث في هذا الشأن والعودة للمصادر المقتبسه في كتاب الموافقات يتضح بعض المصادر التي اعتمد عليها مثل:

  • كتب الإمام مالك ومؤلفات المذهب المالكي

فكتب الإمام مالك والمذهب المالكي بشكل خاص من أكثر المصادر التي اعتمد عليها الشاطبي في كتابه هذا. فقد نقل كثيرا من الموطأ للإمام مالك[10]، والقبس لابن العربي والمنتقى للباجي ولم يصرح بهما[11].

أيضا كتابي المدونة والبيان والتحصيل للمالكي نقل الشاطبي منهما في مواطن كثيرة ولم يصرح بذلك.

ونقل أيضا من كثير من كتب المالكية؛ مثل الموَّازية ،ونوازل ابن رشد ،ومختصر ما ليس في المختصر، والكافي، ومقدّمات ابن رشد، والأموال للداودي وصرح بهذه الكتب[12].

  • كتب القاضي أبو بكر بن العربي

استعان الشاطبي في كتابه هذا على العديد من مؤلفات القاضي الحافظ محمد بن عبد الله بن محمد المعافري، المشهور بالقاضي أبو بكر بن العربي، صرح ببعض منها في كتابه واخرى لم يصرح بها[13]

  • كتب التفسير وأحكام القرآن

نقل الشاطبي من كثير من كتب التفسير واحكام القرآن مثل كتاب أحكام القرآن[14] وتفسير سهل بن عبد الله التستري وفضائل القرآن لأبي عبيد ولابن النحاس.

  • كتب الحديث والرواية

استعان الشاطبي في الأحاديث المستدله في كتابه وايضا والروايات والأخبار والرجال على كتب اهل السنة المشهورة مثل الصحيحين، والموطأ، وسنن أبي داود، وكتب الإمام الترمذي والنسائي لما اشتهرت به هذه الكتب من قوة في الإسناد والرواية.[15]

الخاتمة

في الختام يمكننا القول بأن الإمام الشاطبي يعد اول من افرد المقاصد الشرعية بالتأليف، وتوسع في دراستها والحديث عنها كما لم يفعل أحد من قبله من الأئمة الذين سبقوه في دراسة المقاصد الشرعية دون التطرق للتفاصيل الذي تحدث عنها الشاطبي رحمة الله عليه في كتابه الموافقات.

لم يورد الشاطبي نصا يعرف به مفهوم المقاصد الشرعية تعريفا اصطلاحيا، لنفور الشاطبي من التقيد بالتعريفات في المباحث الأصولية التي تحدث عنها، بل كان يسعى لمشروع تجديدي لأصول الفقه.

كان لكتاب "الموافقات" للشاطبي رحمه الله دورا هام في تطور الإهتمام بمقاصد الشريعة واقرار قواعدها، فقد تميز الشاطبي عن غيره بربطه اصول الفقه باسرار التشريع، وبناء اصول الفقه على الإستقراء.

ونستنتج مما سبق ان الشاطبي لم يؤسس هذا العلم بل أسهم بشكل كبير في ابرازه وتفصيل قواعده واحكامه واقسامه، ففي كتابه "الموافقات" قام بشرح مقاصد الشريعة بشكل مرتب وواضح، مبسطا مسائله وشرح قواعده ورتب ابوابه واضاف له الأمثله والكثير من الامور التي انفرد بها، أصبح مفهوم مقاصد الشريعة مرتبطا بإسم الشاطبي، حتى ظن البعض ان الشاطبي هو من اسس هذا العلم.

المصادر

[1] محمد علي السايس، نشأة الفقه الاجتهادي وأطواره – ص11

[2] مقاصد الشريعة ومكانتها - أحمد فتحان

[3] نسبة إلى شاطبة، مدينة قديمة في شرقي الأندلس وقرطبة في العهد الإسلامي

[4] معلومات عن أبو إسحاق الشاطبي من موقع goodreads.com

[5] من كتاب – نيل الابتهاج – للتنبكتي/46

[6] وهو شرح الألفية، يعني به ألفية ابن مالك – طبع في 10 مجلدات

[7] مخطوطة الموافقات (عنوان التعريف بأسرار التكليف) – المكتبة الأزهرية (2918)

[8] مقدمة أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان – كتاب الموافقات 10-11

[9] ملخص عن كتاب الموافقات – نداء الايمان al-eman.com

[10] مصرح به – (كتاب الموافقات) المجلد الثاني 116، 295 / المجلد الرابع 112، 131، 320

[11] مقتبس من "القبس" لابن العربي في المجلد الثالث 197، 198، 199، 201 – "المنتقى" للباجي في المجلد الرابع 109

[12] تحقيق كتاب الموافقات - أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان/15

[13] اهم تلك الكتب أحكام القرآن والناسخ والمنسوخ مصرح في المجلد الاول 388 والخامس 340

[14] احكام القرآن - الإسماعيل بن إسحاق - مصرح به في المجلد الخامس 33

[15] تحقيق كتاب الموافقات - المكتبة الشاملة الحديثة – ص17